عائشة العتيبي

كيف يحترق بداخلنا!

الأربعاء - 11 أكتوبر 2023

Wed - 11 Oct 2023

السلام الداخلي الذي قد يغيب لساعات أو ربما لمدة معينة، السلام الذي يجبرنا على الاستسلام لما يدور حولنا من بشر وضغوط نفسية وأحداث ومواقع تجلب الكدر، وبرغم أننا نعيشها بتفاصيل مريحة وسعيدة هي تريد أن نضع الأمور فوق قدرتنا وإرادتنا وطاقة تحملنا، تريد أن تحكمنا وتجبرنا وتسيطر بقوتها علينا كالعادة التي يسعى الشخص لتغييرها بنفسه لكن دون جدوى، وفي كل مرة يفعل بها دون أن يشعر، إلا أننا نشعر بوقع ما يحدث لنا ونيأس من عيش تفاصيل ليس لها واقع سليم في واقعنا لكن أصبنا بالاستسلام ورمينا أسلحتنا واستنزفنا طاقتنا والدرع الذي نحمي به أنفسنا، نحن نعيش حروبا بيننا وبين ما يحدث لنا في حياتنا من مواقف وأحداث وقصص قد تؤثر بشكل ملحوظ أو غير ملحوظ لكن مع مرور الوقت نجد أننا نعيشها في لحظاتنا ونظرتنا للحياة دون خجل منا أو خوف؛ لأننا تشبعنا من الاستماع لها حتى طبقناها دون علم منا.

السلام الداخلي يحترق بسبب حروب أشعلناها نحن بداخلنا دون أن نفهم لماذا فعلنا هكذا، نتفاعل مع ما يدور و كأن الأمر طبيعي وفي الحقيقة لا أحد سيتعب غيرنا، نضيع الكثير في أمور لا تخصنا ولا تجلب لنا سوى العناء والقلق إلا حب إصلاحنا للأمور هو ما أخذنا لها بهذه الطريقة وبذلك الأسلوب، إن رؤية حال غيرنا أمر يفسد راحتنا كالاهتمام بشخص كتب عنوان إهمال نفسه بيده، إذن لا داعي أن نحترق ونهتم له ونخسر راحتنا وجمال لحظاتنا لأجل نشعر بأننا هنا بجانبه ونحبه؛ إلا أن من هانت عليه نفسه سيهان في عينه الآخرون، كسب السلام داخلي للنفس متعة لا يشعر بها إلا من فقد راحة نفسه ورحابة صدره وضعف منطقه وسلامة قلبه.

لقد ذكرت بإحدى نصوصي عن إثارة السلام الداخلي وقلت «كل ما أخشاه الآن السلام الداخلي الذي قد يدركه الغياب ذات ليلة، لقد قالوا الغربة هي غربة الأوطان ولكن أرى الغربة أيضا في غياب السلام الداخلي وإثارة الحروب الخامدة منذ أن توقفت عن قرع طبولها للحظة لم تشتعل إلا نيران النفس البشرية تمثل السلام كل يوم ولا تدرك حقيقة السلام الداخلي فتضعف بينها وبين ما تراه من حقيقة، فكيف بابتعاد الروح عن الجسد وابتعاد الحياة عن الحقيقة».

هل صحيح من اعتاد على شيء سيراه في كل مرة؟ من اعتاد على الخوف سيخاف من الأحداث المفرحة واللحظات السعيدة أنها ستأتي من بعدها بشر ونازلة، من اعتاد على توتر سوف يتوتر حتى عند الأمور البسيطة التي لا داعي أن تثير بداخله التوتر والهلع، من اعتاد على حب الأشياء ويشعر بالامتنان لها سيعتاد على حب اللحظات التي عاش بها تلك الأشياء وربما دائما ما يكن لها الإعجاب والتقدير، من اعتاد على مشاركة تفاصيله الصغيرة لشخص ما سوف يعتاد على سرد تلك التفاصيل دون شعور بأنه يتحدث عنها هو فقط اعتاد على مشاركة تفاصيله التي تعني له الكثير حتى لو كانت صغيرة؛ لأن هناك شخصا يحب سماع تلك التفاصيل، من اعتاد على أمر ما سيفعله دون أن يشعر ويعي بذلك.

انهيار السلام الداخلي يعني انهيار الود في لحظات نحتاج فيها لرحابة النفس وسماحة المنطق دون استسلام لمشاعر قوية تخترق القلب حتى تحرقه، ضياع السلام هو فقد اليد الحانية التي تصافح بكل حرارة وامتنان والتي تمسح وتسامح لطفا ورحمة منها لا تعاليا واستحقارا بمن أمامها، سنعتاد على إشعال السلام حتى يتحرق بداخلنا؛ لأننا سمحنا للأمور الخارجة عن إرادتنا السيطرة علينا، ولنعيد هذا السلام الداخلي لنا نحتاج إلى قوة وإصرار وثقة بأننا قادرون على التحدي والانتصار على كل شيء يرهق راحتنا ويهدر طاقتنا ويدعنا نهمل أنفسنا بل يجعلنا نركز على نقاط لا تقوينا بل تضعف قدرتنا وتشكك بقوتنا.

3ny_dh@