بسمة السيوفي

قم للمعلم

الثلاثاء - 10 أكتوبر 2023

Tue - 10 Oct 2023

الكتابة عن المعلم والتعليم في السعودية هي مناسبة للاعتزاز بأشرف مهنة، وتقدير لأجزل عطاء، خاصة لأولئك الذين يخلصون ويبدعون في أداء رسالتهم الواثقين في قدرات تلاميذهم، فلا يستسلمون لضغوط المسؤوليات وعبء تراكم المهام، لا يستسلمون لوظيفة تحمل الكثير من التحديات والضغوط المتزايدة، زادت في السنوات الأخيرة بسبب الوباء، فهناك علاقة مقدسة مع التلاميذ يصنعها المعلم تنطوي على قوة جذب واستجابة، فالتعليم هو أن تظهر للآخر ما هو قادر عليه، والتعلم هو جعل هذا ممكنا عبر فتح نوافذ المعرفة وأبواب والمستقبل.

كما أن الاعتراف بالتفاني الدؤوب لا بد وأن يبرز أيضا.. دور المرأة المعلمة في المشهد التعليمي السعودي.. هو علامة فارقة في بلد لم تكن لتغيب فيه المرأة عن المشهد العام، فالتعليم ليس موجودا إلا إذا نظر إليه من خلال تضحيات ومبادرات السيدات الأُول ابتداء من المدارس المنزلية والكتاتيب، وقرار القيادة التاريخي بتعليم البنات، وصولا إلى البعثات التي مكنت الفتيات من التعلم، فكما يقولون «لو علمت بنتا فقد علمت أمة.. ولو علمت ولدا فقد علمت فردا».

كنت محظوظة لكوني إحدى جنود هذا الميدان وتدرجي فيه من مرحلة رياض الأطفال، ثم الانتقال بعد التعيين الحكومي إلى المرحلة الثانوية، وصولا إلى الإشراف الإداري ثم التدريس الأكاديمي في الجامعات، وتعزيز الرحلة بتقديم التدريب الذي أعتبره خلاصة القدرة على نقل المعرفة وإكساب المهارة للآخرين بهدف التغيير الإيجابي.

وبين حين وآخر أحظى بردود فعل ما جنته يداي.. أرى طالباتي بفخر في اجتماعات عمل، في بنك أو مطعم.. فيبادرن بالتحية والتعريف.. وربما الأحضان الممزوجة بفرح عارم.. فأتبسم حمدا، المعلم يتذكر إما المتميز أو الفاشل جدا في الصف الدراسي، ويغيب من كان في الوسط، المعلم يفعل ما يفعل ويستودع الله جهده وإخلاصه، يغرس القيم والمبادئ ويرحل، علها تكون شاهدا له يوم القيامة.

أما عن تكريم المعلم في يومه 5 أكتوبر، فقد تشرفت الخميس الماضي بحضور احتفالية جمعية المبادرات المتميزة «مبادر» بمركز المؤتمرات بجامعة جدة لجائزة أهالي جدة للمعلم المتميز في دورتها العاشرة، التي أقيمت على شرف أمير منطقة مكة المكرمة بحضور وكيل الإمارة الموقر.

وقد حضر وكيل وزارة التعليم، والمديرة العامة للتعليم بمحافظة جدة وعدد من قيادات التعليم ووجهاء جدة. أسعدني جدا حراك القطاع الخاص برجالاته وسيداته للمشاركة في تقدير ودعم المعلمين والمعلمات على مستوى المحافظة.

وأجد أن الجائزة قد نشرت روح حماس محببة داخل الوسط التعليمي.. يظهر ذلك في تزايد أعداد المشاركين والمشاركات 24,438 حتى الآن.. وحصول 350 مرشحا على الجوائز منذ النسخة الأولى للجائزة.. لذا يعتبر نتاجها ثمرة جهد تراكمي لمنظومة متكاملة من الشراكة الاستراتيجية بين القطاع الحكومي ممثلا في الإدارة العامة للتعليم بمحافظة جدة والقطاع الخاص من الشركات ورجال الأعمال الداعمين للمبادرة، ومساندة مستمرة من إمارة منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة.

وقد فاز بالجوائز هذا العام، التي بلغ مجموعها أكثر من مليون ريال سعودي، 12 معلما ومعلمة من المراحل التعليمية المختلفة في القطاع العام والخاص، منهم معلمون سعوديون وغير سعوديين.. وهي قيمة مضافة تحسب للجائزة في تنوع الشرائح المستهدفة.. ترفع من سقف التوقعات في الأداء التعليمي في القطاعين العام والخاص، وتزيد من حماس المعلم واعتزازه بمهنته، وتحفز المزيد من المعلمين والمعلمات على المشاركة مستقبلا.. وهو ما أكده رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور غسان السليمان، خلال كلمته التي عبر فيها عن مدى تقدير مجتمع جدة والوطن للإسهامات التي يقدمها ويبذلها المعلمون والمعلمات في عملية التعليم والتعلم.

ما أود قوله إن جائزة أهالي جدة هي نتاج الحس الوطني الأصيل لرجال الأعمال في دعم برامج المشاركة المجتمعية، وأرى أن الدعم القيادي والحكومي يستحث باقي الشركات على عدم التهرب من المساهمة مستقبلا؛ فالمساهمة اختيارية في النهاية، وفي هذا الشأن أقترح أن يتم إنشاء صندوق وطني للمسؤولية المجتمعية تتفرع منه الجوائز للقطاع الصحي والهندسي والمحاماة مثلا، وتسهم فيه الشركات والمؤسسات بما يخدم المجتمع بشكل أشمل مع التركيز على قطاع التعليم، وليس المقصود هنا المساهمة عبر تقديم مبالغ مالية فقط لدعم الصندوق الوطني للمسؤولية الاجتماعية، بل عبر مساهمات عينية (أي خدمات وسلع) مقدمة، تدعم القطاعات المختلفة في الوطن.

كما يجب أن يستفيد المشاركون في هذا الصندوق من الحوافز والامتيازات التي يجب أن تمنحها لهم الدولة. الهدف هو تحقيق شراكات تنموية مستدامة مع القطاع العام والخاص لا تنتهي برحيل صاحب الشركة ولا تتغير بعزل وزير... ولن يتحقق ذلك إلا عبر وضع سياسات ثابتة تمنح الامتيازات المساندة للمساهمين وتستقطب المزيد من الداعمين.

ولعل استدامة أثر هذه المبادرات وزيادة مجالات الجوائز تستدعيان الاضطلاع بأدوار متجددة تتيح تطوير استراتيجيات العمل، فمثلا إن كان التركيز على التعليم، لم لا تؤسس تحت مظلة هذه المبادرات رابطة وطنية للمعلمين ورابطة أخرى لأولياء الأمور تنظم بشكل جيد بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة؛ فلربما كانت هذه المبادرات صوت هذه الفئات ورايتها وسيفها في مواجهة الضغوطات المتزايدة.

كما سيكون لذلك آثار إيجابية على حراك وتطور البيئة التعليمية، بما في ذلك زيادة مشاركة القوى العاملة الوطنية في التعليم وتحقيق نتائج أفضل للطلاب، وتفاعل أكبر لأولياء الأمور للمشاركة في تعزيز البيئة التربوية.

مبادرة مشرفة للوطن نفخر باستدامتها.

وتظل جدة رائدة.. ويظل رجالها وسيداتها أوفياء لكل ما يحييها.. فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.

smileofswords@