حسن علي القحطاني

قطاع غزة والحرب الخامسة

الاثنين - 09 أكتوبر 2023

Mon - 09 Oct 2023

لن نختلف على أن مقاومة الاحتلال الصهيوني (الإسرائيلي) حق مشروع للشعب الفلسطيني ويستحق مساندة شرفاء العالم في ظل بقاء الاحتلال وانتهاك المقدسات والأعراض والحرمان من أبسط الحقوق، واستمرار سياسة الغطرسة الصهيونية ونظامها الحاكم في رفض ومماطلة كل مبادرة سلام حقيقية تؤسس لحل الدولتين وتنهي هذا الصراع الطويل الذي أرهق كاهل دافعي فواتيره من الأبرياء وأزهق أرواحهم بلا ذنب.

الحروب السابقة اختلفت مسمياتها وحسابات الفصائل الفلسطينية وإسرائيل فيها، ولكن كانت محصلتها سيول من الدماء الفلسطينية وحقائب مالية واتفاقيات متبادلة بين طرفي النزاع المسلح تؤدي لضمان استمرار مصالح الكيان الصهيوني (إسرائيل) والفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الحكومة والشعب.

الآن ومنذ فجر يوم السبت الماضي انطلقت شرارة حرب جديدة على شعب فلسطين، حرب خامسة في أقل من خمسة عشر عاما، حرب يبدو أنها مختلفة شكلا ومتوافقة تماما مع أهداف باعثيها.

ففي جولتها الأولى بدأت حماس بإشعال شررها بأسلوب جديد يعتمد على توجيه الضربة الأولى بشكل مفاجئ وبدأت الهجوم وليس الدفاع والتموضع في سراديب آمنه مثل كل مرة، ونجحت في جذب الأضواء إليها ولكن المشاهد اللا إنسانية التي تعاملوا بها مع القتلى والأسرى (ومن ضمنهم النساء والأطفال) قلبت الرأي العام الدولي على الفلسطينيين وبعثت برسالة تؤكد عدم استحقاقهم لدولة مستقلة مهما مارست السعودية أو غيرها من ضغط، كما نجحت في منح حكومة بنيامين نتنياهو قبلة الحياة وأغلقت أفواه معارضيه.

إسرائيل أيضا نجحت ببراعة في تمثيل دور الضحية فكسبت تأييد الدول الغربية والشرقية، وتدفق الدعم المالي والاستخباراتي والأسلحة وامتلأت القنوات والمواقع بالبيانات الرسمية المؤيدة لها، ووحدت جبهاتها الداخلية المحتقنة من حكومة اليمين المتطرف ورئيس وزرائها، خصوصا أن الداخل الإسرائيلي كان يمثل الجبهة الأخطر التي تهدد بوصول اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى حافة الهاوية، ولن تبالي إسرائيل حتى لو كان الثمن حفنة من الجنود والمستوطنين.

‏إسرائيل لن تسمح لأي طرف دولي مهما كان ثقله الدولي أو الإقليمي بالدخول للتهدئة أو إيقاف الحرب حتى تستكمل بنك أهدافها وترد اعتبارها على حساب قطاع غزة المغلوب على أمره، أما الأدوات الخارجية كحزب الله في سوريا ولبنان وإن صفر أو زمر لمكاسب حماس إلا أني لا أتوقع أن يدخل في هذا النزاع بل سيكتفي بتوزيع الحلوى في شوارع الضاحية الجنوبية اتباعا لسادته ومرجعه الكهنوتي.

ما يؤلم قلوبنا أن النتائج النهائية لهذه الحرب محسومة ولن تكون في صالح الشعب الفلسطيني، فقطاع غزة على موعد مع خسائر فادحة في الأرواح؛ وتدمير للبنية التحتية، الكهرباء والاتصالات ستقطع، وسينقطع الوقود؛ وقد ينهار النظام الصحي والخدمي؛ وربما تصل الأمور إلى حصار شامل على قطاع غزه والضفة الغربية وإغلاق للمسجد الأقصى ومنع دخول المصلين إليه.

أخيرا، ربما يكون ما يحدث في إسرائيل هو تمهيد لتغيير جذري ديموغرافي في المنطقة ومرحلة يستكمل بها مشروع (الخريف) العربي وما تلاه من تغير في موازين القوى والتحالفات بحيث يتم من خلاله إعادة رسم وتكوين جديد للمنطقة، وربما تكون هذه الحرب تمهيدا له ويكون هذا التغيير مع شرارة حرب أخرى.

التاريخ يقول إن الانتصارات السريعة التي تليها خسائر عظيمة هي مكاسب وهمية، وأن أي حرب يتم استدراجنا لها هي فخ لهزيمة كبيرة ستعيدنا للوراء عشرات السنين.

hq22222@