حرب أكتوبر بين عبورين
السبت - 07 أكتوبر 2023
Sat - 07 Oct 2023
ما زالت هذه الحرب محط أنظار كثير من المؤرخين والمختصين، الباحثين عن كشف الغموض الذي أطر بعض السياسات والقرارات في تلك الحرب، وما تزال هذه الحرب من أكثر الحروب تناقضا على مستوى الأسباب والنتائج والدراسات، فبدءا من أسمائها العديدة؛ فهي عند المصريين حرب أكتوبر وعند السوريين حرب تشرين التحريرية وعند الإسرائيليين حرب الغفران كونها صادفت أحد أعيادهم الدينية المسمى بالكيبور، ولا شك أن لكل اسم من هذه الأسماء دلالته عند أصحابه ورمزيته التي بنى عليها كتابة تاريخ هذه الحرب.
هذه الحرب كان مقررا لها أن تكون عام 1970 لكن قدر عبدالناصر سبق قراره، فأصبح السادات هو المعني بتحرير الأرض وانتشال مصر والعالم العربي من كارثة عام 1967م والتي ما زالت الأمة العربية تعيش تأثيراتها المادية والمعنوية.
جاء السادات بمشروع سلام وسيلته الأولى فيه الحرب، وكان يرى أن العبور إلى الضفة الشرقية من القناة كافيا لإعطاء دبلوماسيته ما تحتاجه من طاقة ومشروعية للوصول إلى صيغة سلام عادل وشامل.
أعظم ما في هذه الحرب كانت خطة الخداع الاستراتيجي التي كانت أساسا جوهريا في المعركة، وأثمن ما في هذه الحرب كان عبور خط بارليف الحصين الذي كانت إسرائيل تعول عليه كثيرا للبقاء في سيناء أطول مدة ممكنة.
سيناريو الحرب يعرفه كثيرون، والتغيرات التي طرأت على سير المعركة تم تناولها بالدراسة والتحليل، ولعل الجميع يتفق أن خطة تطوير الهجوم اللاحقة والسياسية في أصلها والتي طرأت على خطة الشاذلي العسكرية الأصلية؛ كانت منعطفا مهما في هذه الحرب إن لم تكن أهم منعطفاتها على الإطلاق، فالجنرالات الإسرائيليون كانوا يفكرون مسبقا في كيفية استغلال الثغرة بين الجيشين المصريين الثاني والثالث، لكن تفكيرهم في الاحتياطي المصري وضخامته والخسائر المتوقعة، كل ذلك كان يؤجل الفكرة ويحيطها بالتشاؤم ويحكم عليها بالفشل المطبق والمسبق، إلا أن السادات لم يمهل الإسرائيلين كثيرا فلقد أعطى الأوامر لقواته بالتقدم، وهنا حصل التغير في المعركة، فبعد العبور المصري العظيم، عبر شارون إلى الضفة الغربية من القناة وبدأت بوادر نصر عسكري إسرائيلي تلوح في الأفق!.
وبعيدا عن هذا الأحداث التاريخية المعروفة دعونا نتساءل، ماذا لو كان السادات ملتزما بخطط جنرالاته؛ بمعنى أنه اكتفى بالتقدم الذي حصل واحتمى بحائط صواريخه متسنزفا إسرائيل في حرب طويلة لأقبل لها بها؛ أكان ذلك سيعجل بانسحابها من سيناء؟!.
أعتقد أن مصر ومن خلال تلك الخطة العسكرية الصرفة ما كانت لتحقق مرادها السياسي المهم وهو استعادة سيناء، فالعبور شيء وتحرير كامل تراب سيناء شيء آخر، إضافة إلى أن السادات كان يراهن مسبقا على التدخل الأمريكي وهذا كان يقتضي منه عملا عسكريا محدودا يزيد من توتر بؤرة الصراع ويجعل الأمريكان يتدخلون لحل الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها، والنصاب هنا هو ما تراه أمريكا وسياساتها كقوة عظمى، من هنا كان الخلاف والاختلاف بين القرارين المصريين؛ العسكري والسياسي، فالأخير ترتب عليه ما يدعيه سعد الدين الشاذلي في مذكراته ومقابلاته اللاحقة المتضمنة اتهامه السادات وقراراته السياسية بالكارثية كونه لم يلتزم بخطة نجحت في بداية الصراع وكانت ستنجح أكثر لو أن السادات السياسي ترك العمل العسكري للعسكريين في الميدان!.
بالنسبة لإسرائيل وعلى الجبهة المصرية تحديدا ما كانت لتقبل بوقف لإطلاق النار إلا بعد نصر عسكري تحققه، وهنا كانت الثغرة وما تلاها من عبور نحو الغرب والذي مازالت ترى فيه العسكرية الإسرائيلية نصرا يحتفى به عند ذكره ويحتفل به كعمل عسكري غير موازين المعركة لصالح إسرائيل لاحقا، فحاصرت الجيش الثالث وهددت الإسماعيلية والسويس بعد أن أصبحتا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة.
المشهد بكامله عند إعادة تحليله نجده كالآتي: عبور مصري أولي باهر بكل المقاييس العسكرية، في مقابل عبور إسرائيلي أعاد لإسرائيل توازنها واتزانها وقوى موقفها في المفاوضات، سبق العبور الأول عملية خداع استراتيجية غير مسبوقة فيما كان العبور الثاني شرارتها الأولى كانت قرارا سياسيا تدخل في مسار المعركة، فقلب موازينها لصالح الجيش الإسرائيلي الذي عرته المفاجأة المصرية المسبقة وقبل ذلك الجندي المصري الذي أثبت أنه رقم صعب في التاريخ العسكري الحديث، وبين العبورين عبرات ونظرات، فقد كان كيسنجر يدير الحرب بطريقة لا غالب ولا مغلوب، لذلك كان النصر الحقيقي فيها لأمريكا صانعة السلام والراعي الأول له والأخير، والتي سلمها الطرفان كل أوراق اللعبة، فكانت كامب ديفيد وما تلاها من معاهدات تطبيع بين العرب وإسرائيل.
alaseery2@
هذه الحرب كان مقررا لها أن تكون عام 1970 لكن قدر عبدالناصر سبق قراره، فأصبح السادات هو المعني بتحرير الأرض وانتشال مصر والعالم العربي من كارثة عام 1967م والتي ما زالت الأمة العربية تعيش تأثيراتها المادية والمعنوية.
جاء السادات بمشروع سلام وسيلته الأولى فيه الحرب، وكان يرى أن العبور إلى الضفة الشرقية من القناة كافيا لإعطاء دبلوماسيته ما تحتاجه من طاقة ومشروعية للوصول إلى صيغة سلام عادل وشامل.
أعظم ما في هذه الحرب كانت خطة الخداع الاستراتيجي التي كانت أساسا جوهريا في المعركة، وأثمن ما في هذه الحرب كان عبور خط بارليف الحصين الذي كانت إسرائيل تعول عليه كثيرا للبقاء في سيناء أطول مدة ممكنة.
سيناريو الحرب يعرفه كثيرون، والتغيرات التي طرأت على سير المعركة تم تناولها بالدراسة والتحليل، ولعل الجميع يتفق أن خطة تطوير الهجوم اللاحقة والسياسية في أصلها والتي طرأت على خطة الشاذلي العسكرية الأصلية؛ كانت منعطفا مهما في هذه الحرب إن لم تكن أهم منعطفاتها على الإطلاق، فالجنرالات الإسرائيليون كانوا يفكرون مسبقا في كيفية استغلال الثغرة بين الجيشين المصريين الثاني والثالث، لكن تفكيرهم في الاحتياطي المصري وضخامته والخسائر المتوقعة، كل ذلك كان يؤجل الفكرة ويحيطها بالتشاؤم ويحكم عليها بالفشل المطبق والمسبق، إلا أن السادات لم يمهل الإسرائيلين كثيرا فلقد أعطى الأوامر لقواته بالتقدم، وهنا حصل التغير في المعركة، فبعد العبور المصري العظيم، عبر شارون إلى الضفة الغربية من القناة وبدأت بوادر نصر عسكري إسرائيلي تلوح في الأفق!.
وبعيدا عن هذا الأحداث التاريخية المعروفة دعونا نتساءل، ماذا لو كان السادات ملتزما بخطط جنرالاته؛ بمعنى أنه اكتفى بالتقدم الذي حصل واحتمى بحائط صواريخه متسنزفا إسرائيل في حرب طويلة لأقبل لها بها؛ أكان ذلك سيعجل بانسحابها من سيناء؟!.
أعتقد أن مصر ومن خلال تلك الخطة العسكرية الصرفة ما كانت لتحقق مرادها السياسي المهم وهو استعادة سيناء، فالعبور شيء وتحرير كامل تراب سيناء شيء آخر، إضافة إلى أن السادات كان يراهن مسبقا على التدخل الأمريكي وهذا كان يقتضي منه عملا عسكريا محدودا يزيد من توتر بؤرة الصراع ويجعل الأمريكان يتدخلون لحل الأزمة وإعادة الأمور إلى نصابها، والنصاب هنا هو ما تراه أمريكا وسياساتها كقوة عظمى، من هنا كان الخلاف والاختلاف بين القرارين المصريين؛ العسكري والسياسي، فالأخير ترتب عليه ما يدعيه سعد الدين الشاذلي في مذكراته ومقابلاته اللاحقة المتضمنة اتهامه السادات وقراراته السياسية بالكارثية كونه لم يلتزم بخطة نجحت في بداية الصراع وكانت ستنجح أكثر لو أن السادات السياسي ترك العمل العسكري للعسكريين في الميدان!.
بالنسبة لإسرائيل وعلى الجبهة المصرية تحديدا ما كانت لتقبل بوقف لإطلاق النار إلا بعد نصر عسكري تحققه، وهنا كانت الثغرة وما تلاها من عبور نحو الغرب والذي مازالت ترى فيه العسكرية الإسرائيلية نصرا يحتفى به عند ذكره ويحتفل به كعمل عسكري غير موازين المعركة لصالح إسرائيل لاحقا، فحاصرت الجيش الثالث وهددت الإسماعيلية والسويس بعد أن أصبحتا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة.
المشهد بكامله عند إعادة تحليله نجده كالآتي: عبور مصري أولي باهر بكل المقاييس العسكرية، في مقابل عبور إسرائيلي أعاد لإسرائيل توازنها واتزانها وقوى موقفها في المفاوضات، سبق العبور الأول عملية خداع استراتيجية غير مسبوقة فيما كان العبور الثاني شرارتها الأولى كانت قرارا سياسيا تدخل في مسار المعركة، فقلب موازينها لصالح الجيش الإسرائيلي الذي عرته المفاجأة المصرية المسبقة وقبل ذلك الجندي المصري الذي أثبت أنه رقم صعب في التاريخ العسكري الحديث، وبين العبورين عبرات ونظرات، فقد كان كيسنجر يدير الحرب بطريقة لا غالب ولا مغلوب، لذلك كان النصر الحقيقي فيها لأمريكا صانعة السلام والراعي الأول له والأخير، والتي سلمها الطرفان كل أوراق اللعبة، فكانت كامب ديفيد وما تلاها من معاهدات تطبيع بين العرب وإسرائيل.
alaseery2@