وليد الزامل

جاين وموسى صراع يقود للإبداع!

السبت - 07 أكتوبر 2023

Sat - 07 Oct 2023

يقال إنه في عام 1961 أرسل أحد مؤسسي شركة النشر Random House، نسخة من كتاب جديد من تأليف جاين جاكوبس بعنوان «موت وحياة المدن الأمريكية»، إلى روبرت موسى وهو الأب الروحي لمشاريع التجديد الحضري وواحد من أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ مدينة نيويورك والتي كانت لمشاريعه وفلسفته في التنمية العمرانية أثر بالغ على جيل من المخططين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاء رد موسى مختصرا ليكتب «عزيزي المرسل سأعيد الكتاب الذي أرسلته لي، وبغض النظر عن كونه غير دقيق، فهو يعد بمثابة تشهير أيضا، أرى من الأفضل أن تقوم ببيع هذه النفايات لشخص آخر».

كان موسى تجسيدا لرؤية أوائل القرن العشرين والتي تؤكد على أن تطوير المدن يقتضي إزالة العشوائيات وأنماط النسيج العمراني المتداعية واستبدالها بهياكل عمرانية حديثة.

بعبارة أخرى، بناء الجسور والأنفاق والشوارع وضخ الاستثمارات وصولا لتحقيق العوائد الاقتصادية حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الأقليات أو البيئة الطبيعية أو روح المدينة.

كان موسى يضرب بعصاه ليشير إلى تلك المساكن المتدهورة ويضع الرسومات والمخططات لتحويلها إلى جسور وبنيات استثمارية ضخمة.

منظور موسى رسخ المفهوم الاستبدادي في «التخطيط العمراني» من أعلى الهرم إلى أسفل الهرم.

وفي المقابل، كانت جاين جاكوبس مجرد ناشطة أصبحت فيما بعد ذات تأثير في الدراسات العمرانية. كان منظورها يتمحور حول أن مستقبل المدن يعتمد على الحفاظ على النسيج العمراني والقيم الإنسانية وحقوق الأقليات.

كرست جاكوبس جهودها في الرد على منهجية تفكير موسى، التي تقتضي تدمير المدن وإزهاق روح المدينة، وعدم الاكتراث بالفقراء السود، وبدأت فعليا في إدارة الجهود الشعبية لحماية الأحياء السكنية من خطط الإزالة.

ولكن موسى كان يمثل المركزية والنفوذ السياسي والسلطة والعلم، في حين عبرت جاكوبس عن صوت المجتمع والفئات المستضعفة.

في رسالة إلى عمدة المدينة، كتبت جاكوبس «من المحبط للغاية أن نبذل قصارى جهدنا لجعل مدينتنا صالحة للعيش ثم نعلم أن المدينة تخطط لجعلها غير صالحة للعيش».

وهكذا عملت على قلب الطاولة وحشد وسائل الإعلام ودعم الصحافة وكانت بمثابة «المخطط المناضل».

بدأت تكتب وتؤلف ضد التجديد العمراني الذي مزق المدينة وأدى الى تهجير الأقليات محدودة الدخل، وأكدت على أن الحداثة لا تقتضي التدمير.

كانت رؤيتها تتلخص في أهمية فهم المدينة ومكوناتها بشكل مترابط بما فيها المجتمع والنسيج العضوي والتنوع في أنماط الاستعمالات والمباني وليس كمكونات فردية.

إنها تعتبر دور المجتمع والفئات المستضعفة حق أصيل في صياغة السياسات العمرانية ولا سيما في المشاريع التي تخدم مصالح المستثمرين وأصحاب النفوذ على حساب الفقراء، ببساطة قالت لا.

لقد شكل نقدها للمدينة رؤية صادمة تخالف المنظور السائد في تلك الفترة فالجميع كان ينتظر منها قصة إيجابية ملهمة تحكي التطور والتنمية.

جاكوبس امرأة ربما تم تشويه سمعتها في ذلك الوقت باعتبارها مجرد ربة منزل لم تحصل على شهادات عليا؛ واعتبر افتقارها إلى تلك المؤهلات سبب رئيس لانتقادها.

ولكنها كانت تكتب، وتدون، وتناقش حتى أصبحت أيقونة في مجال الدراسات العمرانية، ولا يزال كتابها الشهير يستشهد به في عديد من البحوث.

إن الصراع بين موسى وجاكوبس كان صراعا فكريا ويقال إنهما لم يلتقيا وجها لوجه إلا مرة واحدة.

لقد شكل هذا الصراع مصدر إلهام كتبت عنه البحوث والدراسات والنظريات؛ بل وأسهم فيما بعد في توليد مفاهيم جديده كحركة التمدن الجديد New Urbanism وفيها بعد المدن العادلة The Just City باختصار أنه الصراع الذي يقود للإبداع.

waleed_zm@