حسن علي القحطاني

يوم المعلم العالمي

الأربعاء - 04 أكتوبر 2023

Wed - 04 Oct 2023

حدثني معلم فقال:
«في يومي العالمي اكتشفت أن هذا اليوم يعود أصله لتوصية في منظمة الأمم المتحدة تحدد معايير توظيف وتدريب المعلمين وظروف عملهم، تم توقيعها عام 1966م إلا أنها ركنت على أرفف الأرشيف كغيرها من التوصيات المهمة والكثيرة جدا، ودخلت في سبات دام ثمانية وعشرين عاما؛ حتى بعث الله فيها الحياة عام 1994م، عندما قررت هذه المنظمة الاحتفال بتوقيعها بأثر رجعي، وجعل (5) أكتوبر مناسبة عالمية من كل عام ميلادي، باسم (يوم المعلم العالمي)، تشارك فيها أكثر من (100) دولة، وكل دولة لها في هذا اليوم جعجعة (صوت الإبل مجتمعة)، فمنها ما ترى بعد جعجعتها طحينا وما أقلها، ومنها ما لا طحين له وما أكثرهم في الأوطان العربية.

بعد سنة الاحتفال بعام واحد تم تعيني معلما، كنت حالما طموحا ولا زلت ولله الحمد، ولكن اختلفت الأحلام والطموحات بعد ثلاثة عقود تقريبا قضيتها في التعليم، ففي البداية كنت أطمح وأحلم أن يهب الله لي ولجيلي من المعلمين عصىا كعصا موسى عليه السلام، نفلق بها بحر التأخر في كافة العلوم والمهارات.

وأما الآن فأطمح وأحلم بعصىا أتوكأ عليها في طريق عودتي لمنزلي ولي فيها مآرب أخرى.
عاصرت ثلاثة مسميات لوزارة التعليم، بخمسة شعارات، ثلاثة منها متقاربة، مر بها وعليها أسماء وزراء كثر، منهم من رحل وبقي له أثر، ومنهم من لا أثر له، منهم رحل من الدنيا وما فيها، ومنهم من تم ترحيله لصندوق التقاعد.
رحل معهم خططهم وخطبهم ومستشاروهم وفرق عملهم؛ وبقيت كراسيهم تستقبل القادم وتستودع المغادر.

في يومي العالمي الخاص السابع والعشرين لا أتذكر أن هذه المناسبة أقيمت سوى خمس مرات، وعلى فترات متباعدة، دخلت كل مناسبة منها بعد أن أثقل كاهلي الإعداد لها، والتنظيم خلالها، والإشراف على تنفيذها، وخرجت منها بقصاصة خامتها رديئة، طبع فيها اسمي بحجم لا يساعد على قراءته بعد أن نال من عيني طول النظر.

والطريف أن هذه المناسبة لا يتذكرها أحد، فالحضور إما أطفال لا تساعدهم ذاكرتهم على تدوينها أو مراهقين لست من ضمن دائرة اهتمامهم.

أما المسؤولون بدءا من مدير المدرسة ومرورا بالمشرفين ورؤساء المراكز والمساعدين والمدراء العامين ومدراء المناطق؛ سيحتفلون مساء ذلك اليوم على المسارح المكيفة، وسيلقون خطب الإنجازات الرنانة ذات اللون الشفاف التي تسمع ولا تشاهد، وإن كانت ذات تردد عال.

الأطرف من هذا كلة أن (المعلم) الذي أقيم الحفل لأجله غائب؛ لأنه ليس على قائمة المدعوين للحضور.

اطلعت على رسالة من أحد مدراء التعليم في أحد برامج التواصل الاجتماعي تضمنت العديد من التوجيهات الصارمة لمدراء المدارس كتطبيق ما ورد في تعميم كذا، والحث على متابعة كذا، ومراقبة كذا، المهم ذيلت هذه التوجيهات بعبارة رقيقة خلت من كل الصرامة السابقة فقال: (التخطيط الجيد لتفعيل مناسبة اليوم العالمي للمعلم بما يعود على المعلمين والمجتمع المدرسي بالفائدة).

وعندها أدركت ما دام التركيز على التخطيط وليس على التنفيذ (وهذا رأيي الشخصي) أن هذه المناسبة أقل من صورية أو لنقل فلاشية لا يزيد حجمها في نظره عن حجم العدسات التي ستلتقط صورها التذكارية».

أخيرا، التكريم الحقيقي للمعلم أو المعلمة لا يأتي بتسول الكلمات أو توسل القرارات بل دعم استمرار دورهم التربوي والعلمي في بناء الأجيال، ومساعدتهم في تشكيل مجتمع يسهم في تنمية الحاضر، ويصنع مستقبلا متألقا للوطن، وهذا لن يأتي إلا بتشخيص حقيقي لواقع الميدان التعليمي الجامعي والعام بكافة عناصره البشرية والإدارية والمادية ثم رسم استراتيجيات شاملة لإصلاح المنظومة كاملة بلا استثناء ثم اعتماد طرق تطويرها لتحقيق مخرجات ستكون كفيلة بإذن الله ببلوغ طموح قادتنا وتحقيق رؤية 2030.

hq22222@