الرعب وتحسين المزاج
الثلاثاء - 03 أكتوبر 2023
Tue - 03 Oct 2023
يحكي الفيلم الكلاسيكي E.T. The Extra Terrestrial لستيفن سبيلبرج الذي صدر منذ أكثر من 30 عاما عن تعاطف صبي مغامر مع كائن فضائي ترك على الأرض يحاول العودة إلى وطنه بعدما تقطعت به السبل في إحدى مدن الولايات المتحدة.
ومع أن الفيلم مصنف من أفلام الخيال العلمي إلا أنه كان أول فيلم أرعبني.. لا زلت أتذكر أصبع E.T المضيء الذي يضعه على جبهة الصبي «اليوت» عندما أراد مغادرة الأرض قائلا إنه «سيبقى خالدا هنا».. بالإشارة إلى عقله وذاكرته.
اعتبر النقاد هذا الفيلم واحدا من أعظم الأفلام نجاحا، حيث حقق 4 جوائز للأوسكار، متجاوزا Star Wars ليصبح الفيلم الأكثر ربحا لمدة أحد عشر عاما حتى تجاوزه فيلم Jurassic Park عام 1993، الذي يلعب على وتر أحد مخاوف البشر العميقة وهو الموت التهاما.. لذلك نخشى الوحوش.
كان مرعبا بالنسبة لي آنذاك مجرد تخيل وجود مخلوق فضائي عجيب أتى ليصادق أرضيا، ولأني شاهدت الفيلم مؤخرا تفاجأت بشعور السعادة الذي خالجني وكم أصبحت المخاوف ضئيلة عندما مر عليها الزمن.
مدعاة هذه المقدمة هي للتفصيل في شأن تفضيل البعض أو كراهيتهم لمشاهدة أفلام الرعب وقراءة الروايات المرعبة، وازدهار صناعة أفلام الرعب عالميا بحيث ينفق البعض أموالهم على تجربة الخوف بينما يبذل آخرون قصارى جهدهم لتجنب ذلك.
السؤال: هل أنت ممن يحب مشاهدة هذه النوعية من الأفلام؟ هل تضحك وأنت تشاهد أصدقاءك يقفزون من أماكنهم فزعا؟
هل تصرخ أنت نفسك عندما ترى مشهدا لزومبي يطارد بشرا.. أو أحداث درامية تتناول التعامل مع الأشباح أو الجن؟ هل هناك يا ترى تفسير نفسي وراء الرغبة في مشاهدة هذه النوعية من الأفلام أو الروايات؟
من قال إن الليل أو الغرف المظلمة أو احتمالية غزو الكائنات الفضائية هو عاطفة خوف إيجابية علينا الإفراط في تناولها.. وأنه لابد من وجود أو تخيل شيء يرعبنا؟ ما الشيء الجاذب في استهلاك الرعب؟ ولماذا ندفع أنفسنا نحو مشاعر خوف متخيلة؟
وجدت إحدى الدراسات أن مشاهدة أفلام الرعب تنشط مناطق الدماغ التي تستجيب للتهديد مثل اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي كما لو كان الخطر حقيقيا، فيشعر الكثيرون بعد التجربة بمزاج مرتفع ومتعة وحيوية من خلال تسارع نبضات القلب والأنفاس وارتفاع ضغط الدم، ما يشبه تماما الحصول على جرعة مركبة من الأدرينالين والإندورفين والدوبامين الفورية، فتتغير الأحاسيس وتتدفق الطاقة، ويتغير المزاج بصورة مدهشة، حتى أن الدراسة أشارت إلى أن مشاهدة فيلم رعب تفقدنا سعرات حرارية تعادل لوح شوكولاته.
محب الرعب أو ما يسمونه الـ Horrorphile هو الشخص الذي يبحث عن الإثارة والتشويق بسبب شعوره الدائم بالملل، ويقدر الهروب من الواقع عبر العالم الافتراضي الذي يوفره الشعور.. حيث يكون التنفيس عن المشاعر المكبوتة علاجا نفسيا، يقبل على ذلك بسبب معرفته المسبقة واستعداده لتلقي هذه المشاعر، ولشعوره بالأمان في البيئة التي هو فيها (كصالة السينما والبيت وغيره).
يتوق إلى تجربة المخيف والجديد مع إدراكه أن الفيلم ليس حقيقيا، لديه قدرة تحمل عقلي، مع الحماس والفضول، تخيلوا أنه يشعر بالإنجاز والتفاخر ليحكي للآخرين عن ذلك، هناك أيضا تفسير آخر لتلك الأحاسيس وهو أن الرعب قد يساعد في إشباع الفضول حول الجانب المظلم من النفس البشرية باعتبارنا كائنات فضولية بطبيعتها، فالكثير منا مفتون بما يستطيع جنس البشرية أن يفعل؛ لأنه عند مراقبة الأحداث في الأفلام أو الروايات التي يواجه فيها الأشخاص أسوأ الأجزاء في أنفسهم تتشكل فرص لدراسة أعمق بواطن الحالة الإنسانية.
ويبقى التساؤل المطروح هل يستمد هؤلاء المتعة عبر تعرضهم للرعب؟
هل يمتلكون الإطار الوقائي النفسي للتمكن من استخلاص المتعة عند التعرض لتجارب مرعبة؟
التفسير يقول إن دائرة الحماية بالنسبة لمستهلكي الرعب تتضمن وجود توكيد شعوري عميق بأنهم آمنون ويشاهدون في بيئة آمنة، كما أن لديهم ادراكا جيدا لعملية الانفصال النفسي عما يجري على الشاشة، وثقة عالية بالقدرة على السيطرة على المخاوف المحتملة في الحياة الواقعية ومواجهتها.
ولذلك فإن الحقائق تقول إن الأشخاص المبتعدون عن الأفلام أو الكتب أو الأحداث المرعبة تغيب لديهم هذه الأطر الوقائية النفسية؛ لذلك يبتعدون عن تفضيل الرعب أو استهلاكه.
النصيحة لمن لا يحبذون مشاهدة هذه النوعية من الأفلام هي تثبيت فكرة أن ما يجري من أحداث مرعبة ليس حقيقيا وأنه خدع سنيمائية، وأنه في حال مشاهدة الرعب عرضا خاصة للأشخاص المعرضون لخطر النوبات القلبية أو السكتة الدماغية، والذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، فلا بد من مشاهدة شيء مضحك أو لطيف بعد مشاهدة الرعب مباشرة.
ارتعبوا أو لا ترتعبوا.. يظل قرار استهلاك الرعب فرديا في النهاية.. لكل حرية مطلقة في طريقة تحسين مزاجه، أما بالنسبة لي.. سيبقى فيلم E.T اكتشاف البدايات بغموضها.. النقيض والإثارة والاعتياد؛ لأن ذاك الضوء المنير في نهاية إصبع السبابة تحول عندي إلى رمز بهيج أمده أبيا عندما أفقد سبل التواصل مع أحدهم أو أشتاق له.. فأبادر بذراعي كله علني أجد المشتاق إليهم في شتات الحياة.
لا أحتاج لبعثرة النابض بداخلي عبر إخافته.. ولست لوحة متاحة لتخربش عليها الدنيا بريشة الارتياع، الرعب الوحيد الذي يبقى في مخيلتي مغروزا كالوتد المعطوب يتركز في شيء واحد فقط.. اسمه الفقد.
smileofswords@
ومع أن الفيلم مصنف من أفلام الخيال العلمي إلا أنه كان أول فيلم أرعبني.. لا زلت أتذكر أصبع E.T المضيء الذي يضعه على جبهة الصبي «اليوت» عندما أراد مغادرة الأرض قائلا إنه «سيبقى خالدا هنا».. بالإشارة إلى عقله وذاكرته.
اعتبر النقاد هذا الفيلم واحدا من أعظم الأفلام نجاحا، حيث حقق 4 جوائز للأوسكار، متجاوزا Star Wars ليصبح الفيلم الأكثر ربحا لمدة أحد عشر عاما حتى تجاوزه فيلم Jurassic Park عام 1993، الذي يلعب على وتر أحد مخاوف البشر العميقة وهو الموت التهاما.. لذلك نخشى الوحوش.
كان مرعبا بالنسبة لي آنذاك مجرد تخيل وجود مخلوق فضائي عجيب أتى ليصادق أرضيا، ولأني شاهدت الفيلم مؤخرا تفاجأت بشعور السعادة الذي خالجني وكم أصبحت المخاوف ضئيلة عندما مر عليها الزمن.
مدعاة هذه المقدمة هي للتفصيل في شأن تفضيل البعض أو كراهيتهم لمشاهدة أفلام الرعب وقراءة الروايات المرعبة، وازدهار صناعة أفلام الرعب عالميا بحيث ينفق البعض أموالهم على تجربة الخوف بينما يبذل آخرون قصارى جهدهم لتجنب ذلك.
السؤال: هل أنت ممن يحب مشاهدة هذه النوعية من الأفلام؟ هل تضحك وأنت تشاهد أصدقاءك يقفزون من أماكنهم فزعا؟
هل تصرخ أنت نفسك عندما ترى مشهدا لزومبي يطارد بشرا.. أو أحداث درامية تتناول التعامل مع الأشباح أو الجن؟ هل هناك يا ترى تفسير نفسي وراء الرغبة في مشاهدة هذه النوعية من الأفلام أو الروايات؟
من قال إن الليل أو الغرف المظلمة أو احتمالية غزو الكائنات الفضائية هو عاطفة خوف إيجابية علينا الإفراط في تناولها.. وأنه لابد من وجود أو تخيل شيء يرعبنا؟ ما الشيء الجاذب في استهلاك الرعب؟ ولماذا ندفع أنفسنا نحو مشاعر خوف متخيلة؟
وجدت إحدى الدراسات أن مشاهدة أفلام الرعب تنشط مناطق الدماغ التي تستجيب للتهديد مثل اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي كما لو كان الخطر حقيقيا، فيشعر الكثيرون بعد التجربة بمزاج مرتفع ومتعة وحيوية من خلال تسارع نبضات القلب والأنفاس وارتفاع ضغط الدم، ما يشبه تماما الحصول على جرعة مركبة من الأدرينالين والإندورفين والدوبامين الفورية، فتتغير الأحاسيس وتتدفق الطاقة، ويتغير المزاج بصورة مدهشة، حتى أن الدراسة أشارت إلى أن مشاهدة فيلم رعب تفقدنا سعرات حرارية تعادل لوح شوكولاته.
محب الرعب أو ما يسمونه الـ Horrorphile هو الشخص الذي يبحث عن الإثارة والتشويق بسبب شعوره الدائم بالملل، ويقدر الهروب من الواقع عبر العالم الافتراضي الذي يوفره الشعور.. حيث يكون التنفيس عن المشاعر المكبوتة علاجا نفسيا، يقبل على ذلك بسبب معرفته المسبقة واستعداده لتلقي هذه المشاعر، ولشعوره بالأمان في البيئة التي هو فيها (كصالة السينما والبيت وغيره).
يتوق إلى تجربة المخيف والجديد مع إدراكه أن الفيلم ليس حقيقيا، لديه قدرة تحمل عقلي، مع الحماس والفضول، تخيلوا أنه يشعر بالإنجاز والتفاخر ليحكي للآخرين عن ذلك، هناك أيضا تفسير آخر لتلك الأحاسيس وهو أن الرعب قد يساعد في إشباع الفضول حول الجانب المظلم من النفس البشرية باعتبارنا كائنات فضولية بطبيعتها، فالكثير منا مفتون بما يستطيع جنس البشرية أن يفعل؛ لأنه عند مراقبة الأحداث في الأفلام أو الروايات التي يواجه فيها الأشخاص أسوأ الأجزاء في أنفسهم تتشكل فرص لدراسة أعمق بواطن الحالة الإنسانية.
ويبقى التساؤل المطروح هل يستمد هؤلاء المتعة عبر تعرضهم للرعب؟
هل يمتلكون الإطار الوقائي النفسي للتمكن من استخلاص المتعة عند التعرض لتجارب مرعبة؟
التفسير يقول إن دائرة الحماية بالنسبة لمستهلكي الرعب تتضمن وجود توكيد شعوري عميق بأنهم آمنون ويشاهدون في بيئة آمنة، كما أن لديهم ادراكا جيدا لعملية الانفصال النفسي عما يجري على الشاشة، وثقة عالية بالقدرة على السيطرة على المخاوف المحتملة في الحياة الواقعية ومواجهتها.
ولذلك فإن الحقائق تقول إن الأشخاص المبتعدون عن الأفلام أو الكتب أو الأحداث المرعبة تغيب لديهم هذه الأطر الوقائية النفسية؛ لذلك يبتعدون عن تفضيل الرعب أو استهلاكه.
النصيحة لمن لا يحبذون مشاهدة هذه النوعية من الأفلام هي تثبيت فكرة أن ما يجري من أحداث مرعبة ليس حقيقيا وأنه خدع سنيمائية، وأنه في حال مشاهدة الرعب عرضا خاصة للأشخاص المعرضون لخطر النوبات القلبية أو السكتة الدماغية، والذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، فلا بد من مشاهدة شيء مضحك أو لطيف بعد مشاهدة الرعب مباشرة.
ارتعبوا أو لا ترتعبوا.. يظل قرار استهلاك الرعب فرديا في النهاية.. لكل حرية مطلقة في طريقة تحسين مزاجه، أما بالنسبة لي.. سيبقى فيلم E.T اكتشاف البدايات بغموضها.. النقيض والإثارة والاعتياد؛ لأن ذاك الضوء المنير في نهاية إصبع السبابة تحول عندي إلى رمز بهيج أمده أبيا عندما أفقد سبل التواصل مع أحدهم أو أشتاق له.. فأبادر بذراعي كله علني أجد المشتاق إليهم في شتات الحياة.
لا أحتاج لبعثرة النابض بداخلي عبر إخافته.. ولست لوحة متاحة لتخربش عليها الدنيا بريشة الارتياع، الرعب الوحيد الذي يبقى في مخيلتي مغروزا كالوتد المعطوب يتركز في شيء واحد فقط.. اسمه الفقد.
smileofswords@