عبدالله العولقي

الثقافة العربية بين زمنين

الاثنين - 02 أكتوبر 2023

Mon - 02 Oct 2023

قبل نصف قرن تقريبا.. كان المشهد الثقافي العربي يختزل في عبارة (يؤلف الكتاب في القاهرة ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد)، ولا تزال هذه الحواضر العربية تزخر بنجوم وأعلام في الثقافة والفكر، بيد أن المشهد الثقافي لم يعد على حالته السابقة، ففي السنوات الأخيرة استطاعت المدن الخليجية أن تحتضن أضواء المشهد الثقافي العربي؛ فأهم الجوائز الأدبية والمهرجانات الثقافية ومنتديات الإعلام تقام اليوم في الرياض ودبي والكويت والدوحة، لكن الحديث هنا عن الرياض تحديدا، العاصمة السعودية التي تشد لها الرحال هذه الأيام من كافة أنحاء الوطن العربي والمنطقة لحضور أكبر معرض كتاب في الشرق الأوسط، الرياض بدأت تتحول بفضل الرؤية الوطنية إلى مركز ثقافي محوري في المنطقة.

الجميل في المشهد الثقافي السعودي هو صعود جيل جديد من الكتاب المبدعين..
روائيون يتمتعون بنضج التجربة الأدبية وعمق الرسالة والرؤية، وقصاصون يمتلكون أدوات الإبداع ببراعة مذهلة، ومفكرون يقتحمون مجالات الطرح الفلسفي بثقة وقدرة معرفية، هذه المرة أصبح الكتاب يؤلف ويقرأ ويطبع في الرياض.. المشهد الثقافي السعودي حديث الإعلام العربي، وهذا يفسر تهافت دور النشر العربية على المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب.. فالسوق الثقافي السعودي هو الأكثر نموا وتسويقا للثقافة العربية.

ترتبط الثقافة دائما بالهوية، فالعلاقة تلازمية بينهما، ومما يميز السوق الثقافي السعودي هو ارتباطه بالهوية العربية الأصيلة واعتزازه بها، ولعل مبادرة عام الخط العربي التي دشنتها وزارة الثقافة هي إحدى المبادرات التي ترتبط برموز الهوية العربية، وهذه المبادرات القيمة هي محط إعجاب المثقفين والمفكرين العرب كون الهوية العربية تعرضت في العقود الأخيرة إلى حملات تشويه ممنهجة في بعض المجتمعات العربية التي وقعت في مستنقع التدخلات الخارجية.

وحول المشهد الثقافي العربي عالميا تم اختيار المفكر اللبناني أمين معلوف أمينا لأعرق صرح ثقافي في أوروبا.. الأكاديمية الفرنسية للعلوم والآداب.. هذا الصرح التاريخي تم تدشينه في القرن السابع عشر وقد نال عضويته أسماء لامعة في الثقافة الفرنسية كفولتير وألكسندر توماس ومونتسكيو وفكتور هوجو وجورج كليمنصو وغيرهم، وقد حازت هذه الأكاديمية العريقة على تقدير العالم.. فأنشأ السويديون على غرارها الأكاديمية الملكية والتي تمنح سنويا جائزة نوبل في الأدب، كما أن مجامع اللغة العربية الأولى في القاهرة ودمشق وبغداد أنشئت أيضا كمحاكاة لهذا الصرح الثقافي العريق.

يحسب لأمين معلوف اعتزازه بالهوية العربية، وقد دافع عنها في مؤلفاته الفكرية والثقافية، ولعل أهمها كتابه الشهير: الحروب الصليبية بعيون عربية.. والتي أحدث ضجة واسعة بين أوساط المثقفين الفرنسيين حينها.

خاتمة القول.. يتحدث بعض الكتاب عن حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ويصفها بالزمن الذهبي للثقافة العربية في بيروت والقاهرة بيد أن نظرة فاحصة لواقع اليوم تعكس عن زمن ذهبي نعيشه اليوم للثقافة العربية في الرياض.. نهضة فكرية وإبداعات ساحرة تتدفق فضاءاتها الثقافية في معرض الرياض الدولي للكتاب.. ومثقف عربي يصل لأكبر منصب ثقافي في أوروبا.

albakry1814@