مصلح معيض مصلح

الجامعة وفكرة الإعداد العام

الاحد - 01 أكتوبر 2023

Sun - 01 Oct 2023

تبرز الجامعة كمرحلة تعليمية أساسية عليا في مسار التعليم، وهي تمثل مرحلة التخصص بينما التعليم العام يأتي كمرحلة أولى يتم من خلالها التأسيس والتمهيد نحو الجامعة أو التعليم المهني.

ومن هذا المنطلق ينبغي أن يتعلم الطالب والطالبة كل الأساسيات الضرورية خلال مرحلة التعليم العام مثل اللغة والتاريخ ومبادئ العلوم الدينية، ومبادئ العلوم الطبيعية والإنسانية التي تؤهلهم في النهاية للمرحلة الجامعية وذلك على مدى اثني عشر عاما حتى يأتي الطالب والطالبة إلى الجامعة أو التعليم المهني أو سوق العمل وهو مزود بكل الأساسيات الضرورية التي تؤهله وتقوده باقتدار في مرحلة التخصص أو مجال العمل.

وإذا كانت المرحلة الجامعية تمثل التخصص العام فإن الدراسات العليا كمستوى أعلى من التعليم الجامعي تمثل التخصص الدقيق؛ ولذا ينبغي أن ينطلق المسار التعليمي من الإعداد العام في التعليم العام كقاعدة يتلوه التخصص العام في المرحلة الجامعية ثم التخصص الدقيق في الدراسات العليا وبذلك يكتمل هيكل مراحل التعليم الذي ينبغي أن يأخذ شكلا هرميا يتسع في القاعدة ويأخذ في الانحسار نحو القمة.

وانطلاقا من هذه التوطئة فإن من غير المبرر ما يحدث في جامعاتنا المحلية خصوصا والعربية عموما من إقرار تلك الجامعات لمتطلبات عامة - تنبع في الغالب من الثقافة العامة السائدة - تفرض على جميع الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية (البكالوريوس) دونما مبرر علمي عملي منطقي فلا زالت جامعاتنا تفرض مقررات عامة في مبادئ اللغتين العربية والانجليزية والثقافة الإسلامية والتاريخ على كل التخصصات دونما استثناء، وهنا يبرز السؤال الأهم ألم يتعلم ويدرس الطلاب والطالبات أساسيات اللغة العربية واللغة الإنجليزية والتاريخ وعلوم الدين الضرورية على مدى اثني عشر عاما قبل الجامعة؟.

ومما يزيد أهمية مراجعة حالة الإعداد العام في الجامعات أن أغلب المفردات التي تدرس في الإعداد العام في الجامعة لا تتجاوز في مواضع كثيرة تلك الموضوعات التي درسها الطالب والطالبة ثلاث مرات في التعليم العام، ولنأخذ على سبيل المثال كان وأخواتها في مجال اللغة العربية؛ فالطلاب والطالبات يدرسونها في الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية نتيجة لاعتماد وزارة التعليم ما يعرف بالمنهج الحلزوني وعندما يأتي الطلاب والطالبات للجامعة يجدون أن كان وأخواتها في انتظارهم في مقررات تفرض على جميع الكليات أي أن الإعداد العام في الجامعة لم يضف جديدا ولم يخدم التخصص، وكان من نتائج ذلك طول فترة المرحلة الجامعية وتضخم أقسام اللغة العربية واللغة الإنجليزية والدراسات الإسلامية على وجه التحديد حتى أضحى القسم الواحد منها يفوق في عدد أعضائه الكثير من الكليات الجامعية دونما حاجة علمية أساسية إلى ذلك.

نفهم أن يكون هناك متطلب كلية يقرر على جميع أقسامها لأن تخصصات الكلية الواحدة تنبع في الغالب من أرضية علمية واحدة، ففي الهندسة يوجد مقررات أساسية ينبغي دراستها في كل أقسام كليات الهندسة وهناك مقررات أساسية يجب دراستها في كل الأقسام في كليات الشريعة وهكذا لوجود قواسم مشتركة بين تخصصات أقسام الكلية الواحدة لا بد من الإلمام بها من قبل الطلاب والطالبات على مستوى الكلية.

أما أن يكون هناك مقررات في اللغة أو الثقافة تعمم على كل الكليات في الجامعة فهذه زوائد نبتت في برامج الجامعات خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين لاعتبارات لا تستند على منهجية علمية.

نفهم أيضا أن تضع الجامعة ضمن شروط القبول فيها اختبارا في اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية أو الثقافة الإسلامية إذا يستدعي التخصص ذلك ولكن أن تفرض مقررات يؤكد التسلسل المنهجي أن موقعها في التعليم العام فهذا مما ينبغي إعادة النظر فيه؛ لأنها أتت في الموقع الخطأ في سلسلة التعليم.

إن المقارنة بين ما يدرسه الطلاب والطالبات لدينا في الجامعة خلال أربع سنوات مع ما يقدم في جامعات بعض البلدان الصناعية خلال ثلاث سنوات التي تمثل فترة المرحلة الجامعية كما هو الحال في بريطانيا وفرنسا نجد أن الطلاب والطالبات هناك يدرسون مقررات تخصصية خلال ثلاث سنوات أكثر مما يعطى لطلاب وطالبات جامعاتنا خلال أربع سنوات، وهذا في الواقع يعود إلى اقتصار برامج البكالوريوس في تلك البلدان على مقررات التخصص من بداية البرنامج حتى نهايته دون تشتيت الجهود التي تبذلها الجامعة فكانت النتيجة تخريج كفاءات علمية عالية متخصصة في زمن قصير.

وهذه الزوائد إذا ما استبعدت فسنربح سنة من عمر الطبيب والطبيبة وسنة من عمر المدرس والمدرسة وسنة من عمر المهندس والمهندسة وهكذا.

إن مما ينبغي استيعابه والتأكيد عليه مرة أخرى من خلال الملاحظات السابقة أن تشكيل البنية العلمية الأساسية للطالب والطالبة يأتي ضمن وظيفة التعليم العام وليس الجامعة أو بمعنى آخر إن وظيفة التعليم العام هو الإعداد العام بينما تتمثل وظيفة الجامعة في الإعداد للتخصص.