ياسر عمر سندي

المدنية الفاضلة

الأربعاء - 27 سبتمبر 2023

Wed - 27 Sep 2023


النفس البشرية تعاف من يتعدى عليها، وتستهوي من يحسن تعاملها، وتتوق المشاعر الإنسانية إلى من يعرف مداراتها في القول والعمل وبسط الوجه ولين الجانب.

وتنفر ممن يسئ لها بالتقتير والتكشير واختلاق المشاكل وافتعال سلوكيات المراوغة والتبرير؛ ومن يستخدم معها أسلوب الفوقية والاستعلاء ومحاولة الاستيلاء ستتراجع معه وتتقهقر وتتدمر.

سلوك الفرض لا يأتي بخير والقسوة مفتاح الشر؛ وشراسة الفكر وعقلية التحجر ومحاولة التنمر يبني الجهل المجتمعي المركب.

ما أريكم إلا ما أرى؛ واللامبالاة لا يصلحان تماما في التعاملات البينية في واقعنا الحاضر الذي يتطلب الكثير من الهدوء والمراجعة والتفكير قبل التقرير وتفعيل مبدأ الرأي والرأي الآخر.

برأيي أن هنالك خمس علاقات سأستعرضها تباعا تحتاج إلى مراعاة في الفهم والإدراك للعقد النفسي والمجتمعي الذي يوازن بين المشاعر والعقلانية والذي يؤسس الفضائل المدنية.

أولا: العلاقة الوالدية، والتي تُبنى أساسا من الأب والأم تجاه أبنائهما بفهم مفارقات الجنسين بين الذكور والإناث وإدراك احتياجاتهم المعنوية والمادية؛ واستيعاب مراحلهم العمرية من الطفولة إلى الشباب للوصول إلى النضج بالتعامل المرن والاستماع قبل الامتناع وترك المجال للرد قبل الصد وتربيتهم على ثلاثية القيم بالاحترام والسلام والالتزام؛ تبني الفضائل المدنية وتنقلها تربويا بالنمذجة السلوكية.

ثانيا: العلاقة الزوجية، والتي من المفترض أنها نتاج العلاقة الأولى في أساسها التكويني للشريكين بعضهما لبعض، فالأمر لا يقتصر على الأمور الشكلية في النظرة الأولية فقط، ولكن يتعدى ذلك إلى حسن التصرف في الانتقاء والاختيار المسبق بمعنى أن يتم فهم السلوكيات والرغبات المتبادلة من غرض الزواج بوعي والتقاط الإشارات الصادرة والسؤال الذاتي هل هي وهو يصلحان لبناء أسرة قادمة وقائمة على التفاهم والمحبة والمودة والمسؤولية والاحترام الثنائي أم لا؟
ثالثا: العلاقة العائلية، وهي مجموع الأسر المنبثقة في الأصل من تحدر أسرتين للأخوات والإخوان والأصهار ومن هم من جهة الأب وجهة الأم تحتاج إلى إدراك الحدود وفهم مضمون الخصوصية والتقدير المتبادل.

رابعا: العلاقة المهنية بين العامل وصاحب العمل أو بين الرئيس والمرؤوس، وهي المكملة للعلاقات الثلاث السابقة بحكم ما توفره من استقرار مجتمعي وأمان مالي لتعزيز القيمة الإنسانية؛ فالعلاقة المهنية من المفترض أن تقام على احترام الحقوق والواجبات للموظفين بالنظر إلى روح النظام قبل فرض النظام لتحقيق الانضباط والإنتاجية ورفع الأداء بالتنافس الشريف والبعد عن النفعية والسلطوية؛ فلا يضار الموظف ولا تتضرر المنظمة.

خامسا: العلاقة المجتمعية للجميع بالسكن والمقام العام باحترام للمنافع المشتركة وأحقية التمتع بها مثال ذلك حدود المنازل ونظافة خارجها؛ وتقدير دور العبادة ونظافة أماكن الوضوء بها وعدم إلقاء الأحذية خارجها؛ وإدراك سلوكيات التسوق ومراعاة مواقف السيارات وإعطاء الطريق حقها للآخرين.

احترامنا للعلاقات في تكوينها يؤسس المدنية الفاضلة؛ والبعد عنها ينشئ المدنية الهاملة.





‏Yos123Omar@