الاقتصاد الإبداعي وصناعة الثقافة
الثلاثاء - 26 سبتمبر 2023
Tue - 26 Sep 2023
لم يعد الاقتصاد التقليدي هو الرافد الوحيد للدول والمجتمعات، وفي الآونة الأخيرة بدأنا نسمع عن أنواع جديدة ملونة من الاقتصاديات المختلفة مثل: الاقتصاد الأخضر والاقتصاد البرتقالي والاقتصاد البنفسجي والاقتصاد الأبيض والاقتصاد الأصفر.. وهكذا، لكننا هنا بصدد الحديث عن الاقتصاد الإبداعي، وهو الاقتصاد القائم على التفاعل بين الثلاثي: الإبداع والابتكار البشري والتكنولوجيا المتطورة والمجتمع المعرفي.
يظل الإبداع البشري هو العمود الفقري لهذا الاقتصاد الجديد والذي أصبح محط تنافس بين الدول، ولكن هذا الإبداع يظل بلا قيمة إذا لم يتأسس ضمن بيئة إبداعية تشجع الابتكار وترعى الأفكار وتصقل الموهبة، ففي هذه البيئة يتم استكشاف المواهب والعبقريات، وهذه البيئة أيضا هي التي تؤسس لنظام المجتمع المعرفي، المجتمع الذي يتأسس أولا على إعلاء قيمة الأفكار والابتكارات، ومن ثم يأتي الاستثمار - كمرحلة ثانية - في تلك الأفكار من خلال رعاية الموهبة في الحقول الثقافية من التأليف والكتابة والنشر والترجمة والأزياء والطبخ والألعاب الرياضية والحرف اليدوية والأفلام والمسرح والسياحة والبرامج التقنية والألعاب الالكترونية.
كثير من الدول بدأت بالتحول في عمليات الإنتاج من الاعتماد على الأساليب التقليدية في الإنتاج إلى الأساليب الحديثة التي ترتكز على المجتمع المعرفي، وهو المجتمع الذي تعلو فيه قيمة الإبداع والأفكار والعلم وتنخفض فيه قيمة التفاهة والتي تمثل العائق الأكبر أمام تأسيس أي مجتمع معرفي كما يقول آلان بو في كتابه الشهير نظام التفاهة.
أما صناعة الثقافة فهي الجزء الأساسي من منظومة الاقتصاد الإبداعي، وهي عبارة عن الأنشطة أو المنتجات التي تقوم على الإبداع في إنتاج الخدمات والسلع الاستهلاكية، ولو نظرنا لهذه القضية من زاوية أخرى لوجدنا أننا نتحدث عن القوة الناعمة أيضا، فصناعة الثقافة هي قوة ناعمة لأي بلد، أو رأس مال ثقافي إن صح التعبير، فهي تظهر قوة الثقافة الداخلية للمجتمع من زاوية القوة الناعمة، كما يمكن أن تتحول إلى رافد اقتصادي للمجتمع من زاوية أخرى.
النقطة الأهم في هذا التحول هو قدرة هذه الصناعة الإبداعية على خلق الوظائف بين الشباب، حيث تؤكد بعض الدراسات المتخصصة أن أكثر من ثلاثين مليون وظيفة حول العالم قادمة من بوابة الاقتصاد الإبداعي، ولأهمية هذا الجانب اعتمدت تلك المراكز البحثية عدة مؤشرات لقياس جودة الاقتصاد الإبداعي، ويأتي مؤشر الابتكار العالمي أهمها والذي يغطي حوالي 160 دولة حول العالم، حيث تسيطر أوروبا على المراكز المتقدمة في هذا المؤشر، فتأتي الدنمارك في المركز الأول ثم تليها هولندا فالسويد وسويسرا، وفي السنوات الأخيرة بدأت المملكة تحقق تقدما ملحوظا في مؤشر الابتكار عندما قفزت 15 مرتبة خلال العام الماضي.
خاتمة القول.. مناطق المملكة تحظى بتنوع ثقافي رائع.. يقدم سلعا ومنتجات ثقافية متنوعة، وقبل عدة أيام شهدت دار متروبوليتان في نيويورك عروض سعودية إبداعية متنوعة.. وقد تناولت سائل الإعلام العالمية ذلك الحدث بقدر من الذهول والإعجاب، فعلا لقد حازت تلك العروض الإبداعية على إعجاب العالم.. الجميع تحدث عن الثراء الثقافي السعودي وكيف بدأ يتحول إلى اقتصاد إبداعي وصناعة ثقافية ناجحة، الرؤية الوطنية بدأت تجني ثمار خططها ووزارة الثقافة تنجح في صناعة ثقافة وطنية رائدة.. معرفيا واقتصاديا.
albakry1814@