موفق النويصر

هاني نقشبندي.. صاحب الفضل الذي التقيته مرة واحدة

الاثنين - 25 سبتمبر 2023

Mon - 25 Sep 2023


بالأمس ودعنا الزميل العزيز هاني نقشبندي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

لي مع هذا الرجل، الذي لم ألتقه سوى مرة واحدة، قصة عظيمة، تظهر أخلاقه، والتزامه بالوعود التي يقطعها على نفسه.

بدأت القصة عندما فوجئنا في إدارة تحرير صحيفة «المسلمون الدولية» في صباح يوم ثلاثاء من شهر نوفمبر 1998 بإغلاق الصحيفة التي كانت تصدر عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر، إلى جانب عدد كبير من الصحف والمجلات الشهيرة، مثل الشرق الأوسط وسيدتي.

وللوهلة الأولى اسودت الدنيا في وجه جميع العاملين، كوننا تحولنا بين ليلة وضحاها من أشخاص مستقرين وظيفيا وماليا إلى عاطلين عن العمل، وجميعنا عليه التزامات وقروض وأسر تنتظر توفير احتياجاتها اليومية.

ولمن يتذكر تلك الفترة، يعلم جيدا أن الحصول على وظيفة جديدة لم يكن بالأمر اليسير، إما لندرتها، أو لأن طبيعة صحيفة «المسلمون» مختلفة عن توجهات باقي الصحف والمجلات الأخرى، وبالتالي أنت مطالب بإظهار إمكاناتك من جديد، لإقناع إدارات تحرير الصحف والمجلات التي ستتقدم لها، دون توقع أن تكون تلك البداية سوى مراسل أو محرر بالقطعة.

شخصيا انضممت مع اثنين من الزملاء لمجلة «الجديدة» التي كانت تصدر عن صحيفة الشرق الأوسط في ذلك الوقت، ويتولى إدارتها من العاصمة البريطانية لندن، هاني نقشبندي، بصفته مساعدا لرئيس التحرير.

عملنا تحت إدارته عدة شهور، لم ألتقيه إلا مرة واحدة، عندما زار مكتب الصحيفة في جدة، واجتمع بنا هناك، في حين كان تواصلنا معه بعد ذلك عبر الزملاء في إدارة التحرير هناك، قبل أن يقرر في أحد الأيام اختيار أحدنا ليكون مراسلا وحيدا للمجلة في السعودية، وبراتب شهري ثابت.
وبعد سلسلة من التكليفات والمواضيع المنفذة، وقع الاختيار على أن أكون هذا المراسل.

فأصدر توجيهه لمدير مكتب الشرق الأوسط بجدة في ذلك الوقت بتعييني ضمن كادر العاملين لديه، كون المجلة ليس لها ميزانية مستقلة، وأن موظفيها تابعون للصحيفة.

يبدو أن هذا القرار لم يكن على هوى مدير مكتب الصحيفة، الذي تولى إدارته منذ فترة قريبة جدا، ويرغب في توزيع ميزانيته السنوية على صحفيين من اختياره، يغطون احتياجاته، ولكن تحت ضغط النقشبندي رضخ للأمر وبدأ بتثاقل في إجراءات التعيين.

بعدها بأيام قليلة صدر قرار رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية بتعيين هاني نقشبندي رئيسا لتحرير مجلة سيدتي، وبالتالي انتهاء علاقته بالشرق الأوسط.
وعلى الفور أوقف مدير مكتب جدة إجراءات التعيين، وبالتالي العودة لدوامة إثبات نفسك من جديد للمسؤول المقبل.

أتذكر جيدا أنني كنت وزوجتي نتناول وجبة الغداء بعد صلاة العصر، والسكون يخيم علينا، قبل أن يبدده صوت رنين هاتف المنزل.
- ألو.. أخ موفق.
- نعم مين حضرتك؟
- أنا هاني نقشبندي.
- أهلا أ. هاني.. ألف مبروك المنصب الجديد الله يوفقك.
- ألف شكر.
أتصل عليك؛ لأني كنت عند أبو فيصل (محمد الشيباني العضو المنتدب للشركة السعودية للأبحاث والنشر) لأستلم خطاب تعييني رئيسا لتحرير مجلة سيدتي، فطلبت منه قبل استلام قرار تعييني أن يوافق على آخر قراراتي بصفتي مساعد رئيس تحرير الشرق الأوسط، وهو تعيينك في مكتب جدة.

وبعد أن وقعه وسلمه للسكرتارية لتنفيذه استلمت خطابي.

حبيت أبلغك بنفسي.

الله يوفقك وأنتظر أشوف قصصك المميزة.

أتذكر أن العبرة خنقتني، وأجزم أنه لم يسمع شكري له على صنيعه، الذي اختصر الكثير من الجهد والمعاناة.

هذا هو هاني الذي التقيته مرة، وهاتفته مرة، وكان صاحب فضل بعد الله في الكثير مما أنا عليه اليوم.. رحمك الله يا هاني وأسكنك فسيح جناته.





alnowaisir@