شاهر النهاري

حينما تلعب البشرية كرة العدم

الاثنين - 25 سبتمبر 2023

Mon - 25 Sep 2023


منظر البشر بعيشهم بالمليارات شبيه بكائنات العفن على سطح تفاحة يجعل العقول تتفكر في تسارع الأثر من تحلل وضمور وكوارث بيئية، تجعل التفاحة كرة عدم.

لا يوجد مجتمع بريء من ذنب اختلال التفاحة وتعفنها، بعبثية تصرفاتهم الشخصية.

لا يوجد بلد بريء من المساهمة في تحطيم وسلب متانة الجزء الذي يحتله من التفاحة.

لا يوجد مصنع لا يزيد عوامل نمو العفن، بمخرجات وغازات ومخلفات تذبح المحيط الحيوي، وتنتهك المناخ، وتستنفد الأوزون، وتخل بإدارة المياه العذبة، وحمضية المحيطات، وتكرس التلوث، وتنشر الهباء الجوي، وتذيب الجليد، وتغير أنظمة صفاء مكونات الأرض.

كل استنزاف مياه جوفية وخصوصا في المناطق الصحراوية يخلق الفجوات بين طبقات الأرض، ويؤكد الجفاف والتصدع، وتداخل صفائح الصخور، منذرة بالزلازل.

التمادي في شفط البترول والغاز الطبيعي والأحفوري من بين عميق الطبقات يخل بتوازن مكونات الأرض.

استشراء التنقيب عن المعادن، وتفريغ طبقات الأرض منها، وتفتيت الصخور، وإحداث الخروم والفراغات، يزيد من تخلخل طبقات التربة، وسرعة تقاربها وتصادمها الهادم.

السيارات والمركبات تجول الكرة بفرط حرق غازات وضوضاء وزيوت قاتلة.

تسابق البشرية وتماديها في تصنيع وتطوير وتسريع الطائرات، أصاب الغلاف الجوي بالتهتك جراء غازاتها وسخونتها، وضوضائها، حين أصبحت الطائرات وسيلة رفاهية ودلع أكثر منها وسيلة انتقال، وملايين الرحلات يوميا تنتهك الوجود بحرق الوقود، وزيادة خلخلة الغلاف الجوي، وتعالي درجات حرارة التفاحة، وتماهي الفصول، وخلق التصحر، وتقلص الخضار، وذوبان الجليد، ونفوق كائنات البر والبحر.

أسلحة الدمار الشامل تستبيح حياة ومتانة تفاحتنا الأرضية، بتجارب وتفجيرات أرضية وفي أعماق البحار، أو فوق الغلاف الجوي.

حرائق الحروب والمتفجرات والصواريخ البالستية ووقود المركبات الفضائية النووي تحرق الغلاف الجوي وتنخر في غطاء تفاحتنا، وتنتج الخروم وعدم التوازن وسطها ومن حولها، جراء عنجهية الإنسان، وغبائه.

العفن يتعاظم ويتسارع بأيدي ثمانية مليار ناخر، وطبقات الأرض تتغير بسرعة الزلزال، واستشراء الأعاصير، وتحفيز البراكين، والصدوع والشقوق تفاقم تهتك كرة العدم، التي لعبت بها عقول كائنات بشرية متجبرة محتالة عمياء مستهينة بما تقترف، والكل يطالب الآخرين بكف أيديهم عن نخر التفاحة، وهو ممعن بغيه وتجبره.

لا عجب، فالبشر هم من يلعبون بالكرة، ويسببون الكوارث، ثم ينكرون، متحججين بتقادم التفاحة، وهي ما تزال في ريعان شبابها.

الكرة الأرضية تقع تحت قوى ضغوط وتوازن عظيمة، بدورانها حول نفسها، وحول الشمس، وبين قوى جاذبية القمر بمسافات آمنة، وتوازنها وسط جاذبية الكواكب بأمان، حينما كانت قشرتها متينة ولبها سليم، ولكنها اليوم تعاني من هشاشة وسخونة وفجوات واختلال طبقات.

بقاء التفاحة بين شد وجذب قوى محيطها لم يكن معضلة، مثلما هي عليه اليوم من تبدل وتهتك وذبول، وعدم قدرة على الصمود، والزلازل الحالية ليست طبيعية بالكامل، ولكنها ردود فعل التفاحة لاستعادة نظامها وتوازنها وطبيعتها، ما ينذر بزيادة الكوارث مستقبلا، وقرب يوم العدم.

قيادات ودول النظام العالمي مقصرة مذنبة، ورغم وجود منظمات البيئة، والجيولوجيا، والطقس ومكافحة التلوث، والحياة الفطرية والحيوانية إلا أنها تظل عمياء طامعة متنافسة مشتتة، لا يشغلها مرض وتهتك التفاحة وقرب العدم، بقدر ما يهمها التنافس وكسب الهيمنة السياسية والاقتصادية وإبداع في الحروب والصناعات.





shaheralnahari@