الوطن «بعيون أمريكية»

العلاقات السعودية الأمريكية لها بعد زمني يقترب من مئة عام، وخلال تلك الفترة الزمنية زار كثير من الأمريكان المملكة العربية السعودية، سواء كان للحج والعمرة أو للعمل أو الزيارة أو غير ذلك، ومن أولئك المصورة الأمريكية «إيزابيل كوتلر»، زوجة السفير الأمريكي الأسبق في الرياض، والذي يقول عن زوجته: ولدت ونشأت في مدينة نيويورك.. وأن هناك قولا مشهورا عن فتيات نيويورك، إن مكانة تلك المدينة تبقى وتستمر في قلب كل فتاة ولدت فيها ولا يمكن أن تتغير حتى لو عاشت خارج نيويورك، ثم يقول عندما عملت في الرياض وعدت إلى امريكا اتضح أن حب ومكانة المملكة لا تزال عالقة في قلبها وأن تلك المكانة مستمرة ولم تتوقف ولم تكن مكانة نيويورك كما قيل، فعند زيارتك لمنزلهم في ضواحي واشنطن يخيل إليك أنك تزور منزلا عربيا في الرياض ففي كل مكان تجد قطع»الزل الشرقية» بالألوان الزاهية المختلفة والمصنوعة يدويا وتغطي الغرف والممرات وكأنك تزور معرضا خاصا بالمفروشات العربية التقليدية، أما الجدران فقد ازدانت بصور للنشاط والاجتماعات الدبلوماسية بين الجانب السعودي والأمريكي.

ولإيزابيل كتاب عنوانه: Mysteries of the Desert: A View of Saudi Arabia «أسرار الصحراء» تقول فيه «أتمنى أن تنشر الصفحات التالية تكريما جديرا لهذا الجزء الفريد من العالم».

وأقول لها نعم إن هذا الوطن يستحق التكريم والاعتزاز به، فهو فريد بطبيعته المتنوعة وأرضه المتميزة ومكانته العالمية، والقيم العالية بين السكان، و»إيزابيل كاتلر» زوجة السفير الأمريكي هي مصورة مشهورة عالميا أمضت جزءا كبيرا من السنوات الخمس والعشرين من حياتها في العيش والسفر والتنقل في دول المنطقة وتهتم بالتصوير الفوتوغرافي الخاص بالمناظر الطبيعية الخلابة في الصحراء والمناطق الزراعية وأنواع النباتات، مع التقاط صور شخصية جماعية أو فردية مع العائلات المشهورة والمؤلفين والأشخاص العاديين.

ظهرت أعمالها في مجلات وصحف أمريكية وغربية وانتشرت تلك الصور في مواقع الكترونية كثيرة، وشاركت في معارض دولية، وعند تصفح الكتاب الملون تجد أن الصور تشكل غالبية الصفحات وأن تلك الصور هي مناظر خاصة للصحراء وجمعتها من خلال رحلات متعددة قامت بها إلى أماكن متفرقة من الصحراء، الدافع في ذلك نظرة ثاقبة وحساسية تكشف عن حبها لهذه المنطقة وتحاول «إيزابيل كاتلر» كشف الغموض عن المناظر الطبيعية والناس في مجتمع الصحراء المتنقل مع التركيز على الإضاءة وعناصر ومكونات الصورة لتبرز المناظر الصحراوية المزاجية وتوفر نقطة مقابلة رائعة لصور نابضة بالحيوية والنشاط للذين يعيشون في الأرض الصخرية كما تقول عنها، وأن تلك الألوان الكاملة بالحياة الأسرية في الصحراء نالت إعجابها، وربطت بين الأشكال الرقيقة التي صنعتها الكثبان الرملية التي تجتاحها الرياح، والقوام الرملي الناتج عن تآكل الصخور، وآثار القصور القديمة، وترافق الصور المفعمة بالذكريات مقتطفات من الشعر العربي القديم والحديث - تكريما لتقاليد الثقافة الشعرية الشفوية والمكتوبة الغنية بالأسرار. فهذا الكتاب لا يمكن وصفه بملف للصور الصحراوية فقط بل هو كتاب جمع صور تصفها المؤلفة بأنها رائعة والتي قد يختلف معها هذه النظرة شخص آخر حسب الزاوية والوقت الخاص بمن يتصفح الصور.

تقول السيدة إيزابيل: «السنوات العديدة التي أمضيتها في العيش في المملكة العربية السعودية، شعرت بحب عميق ودائم لهذا الجزء الاستثنائي من العالم الذي أثاره جمال الصحراء، وروعة الآثار القديمة المغسولة بالرمال، وكان علي أن أسجل كل شيء.. تذكرت أن الطبيعة اللانهائية للبحر تنعكس على قدم المساواة مع الكثبان الرملية في الصحراء، لم أرغب فقط في التقاط صور لروعة هذا المشهد.. ولكن أيضا لمعرفة المزيد عن الأشخاص الذين أطلقوا عليه اسم وطنهم، وتجربة الضيافة الصحراوية الشهيرة -تلك الأيام الثلاثة الأسطورية عندما كان من المعتاد تقديم الطعام للضيف- تشير هنا إلى أن الضيافة عند العرب مدتها ثلاثة أيام»، وتقول أيضا: «هذا الكتاب هو إلى حد كبير تكريما للجمال الغامض للصحراء العربية والقيم التي نشأت فيها، على الرغم من أن الحياة الصحراوية لا يمكن أن تفلت من صعوبة الحياة ومخترعات التقنية الحديثة، إلا أن هذه القيم الخالدة تستمر في تشكيل الحياة اليومية ليس فقط في شبه الجزيرة العربية بل في جميع أنحاء العالم العربي.. وتقول أيضا: -وهي في الطائرة و قبل وصولها- كان انطباعي البصري الأول عن المملكة العربية السعودية أنها أميال وأميال من الصحراء القاحلة شاسعة، فارغة، تبدو بعيدة جدا عن الحضارة، باستثناء عدد قليل من الخيام المتناثرة والجمال المتجولة.

مع بدء الليل، غطى الصحراء بغطاء من الظلمة.

وفجأة وبينما كانت الطائرة تستعد للهبوط، غطت السماء بعباءتها السوداء وأصبحت بحرا من الأضواء المتلألئة التي تضيء العاصمة العصرية الرياض.

الطرق السريعة والقصور والفنادق والمباني الشاهقة للمكاتب.. تتألق في موطن نعمة النفط المستمرة للكهرباء لتجنيب هذين الانطباعين المرئيين المختلفين بشكل مذهل، تظل ثابتة في ذهني رمزية للمجتمع الماهر للتقاليد والحداثة التي مكّنت المملكة العربية السعودية من الحفاظ على تقاليدها، مع احتضان التطور المذهل اليوم».

وتشير السيدة إيزبيل أن الهدف من الكتاب تجاوز موضوع التقاط الصور فقط عن الصحراء فتقول: «لا يمكن للمرء أن ينغمس في ثقافة الصحراء دون أن يكون على دراية بتقاليده الشعرية الطويلة، والناشئة عن الشعور بالرومانسية والفروسية وحب الأرض والتفاني في العمل.

على الرغم من أن هدفي الأصلي كان إنتاج كتاب من الصور، وأصبحت مقتنعة بأن مجموعة مختارة من المشاعر التي يتم التعبير عنها بشكل مؤثر في الشعر الشفهي والمكتوب من عصور ما قبل الإسلام إلى العصر الحديث، إلى الشعراء الآن من أن تكمل وتعزز ما تم التقاطه بالكاميرا الخاصة بي».

إلى أن تقول: «دفنت نفسي في مجلدات من القصائد وأعجبت بالكلمات الوصفية لأقدم شعر الصحراء والذي تمت ترجمته من الشعر الجاهلي مرورا من مقتطفات من ثروة الشعر في القرون التي تلت ظهور الإسلام فكنت محظوظة بشكل خاص بعد الاطلاع على مجموعة قصائد لشاعر عاش في الصحراء بالقرب من مدينة الرياض، وترجم قصائده دبلوماسي هولندي، لمحبي الشعر العربي الحديث وطلابه، وهناك مختارات ممتازة متاحة اليوم، كما هو الحال في العصور القديمة عندما جمعت القصائد في مجموعات مثل المعلقات والحماسة. لقد وجدت أيضا مصدرا لا ينتهي من الحكمة في الأمثال العربية القديمة التي توفر نظرة ثاقبة للطبيعة البشرية لا تنطبق فقط على السكان الذين يعيشون في الصحراء، ولكن أيضا على المقيمين في المدن.


وهنا في هذه السطور لا يمكن أن تكون وصفا دقيقا تحليليا لكتاب تجاوزت صفحاته المائه والخمسين.. ومع هذه وتلك يمكن اعتباره رسالة شكر لمؤلفة الكتاب على مبادرتها في التصوير والتعليق على الصور والاتجاه الواضح للقراءة والاطلاع على بعض المراجع الخاصة بالمملكة العربية السعودية.. وهذه السطور تمثل رسائل غير مباشرة لجمع الكتب التي كتبت عن هذا الوطن ومحاولة تصحيح مايمكن تصحيحه من تصورات قد تكون غير سليمة.. وهنا وقفة هامة وحقيقة يعرفها الجميع أن هذا الكتاب لا يمكن أن يستعرض أسرار الصحراء التي لها بعد تاريخي يمتد إلى آلاف السنين هذه الصحراء لها جوانب متعددة فيها كنوز من الأسرار مازالت مدفونه في رمال الوطن الغالي.



ealfaide@