سعد باسلوم

اقتصاديات الطب التكميلي في بلاد الإغريق (اليونان)

الأربعاء - 20 سبتمبر 2023

Wed - 20 Sep 2023

تعتبر بدايات نجاح صناعة الطب التكميلي في اليونان نموذجا للدول الأخرى التي تتطلع إلى الاستفادة من هذا المجال وبناء نموذج اقتصادي يخطو خطوته الأولى في تعزيز العلاجات الطبيعية وممارسات الشفاء التكميلية، حيث إن هناك العديد من الشركات والمنظمات في اليونان التي تنتج وتبيع الأدوية العشبية، للاستخدام المحلي وللتصدير في بعض الأحيان، بعض الأعشاب الأكثر استخداما في اليونان تشمل الأوريجانو والميرمية والبابونج والزعتر وإكليل الجبل، وغالبا ما تستخدم هذه الأعشاب في صنع الشاي والصبغات والمستحضرات الأخرى التي لها خصائص طبية، ومن الأمثلة على شركة يونانية تنتج الأدوية العشبية شركة Apivita، التي يوجد مقرها في أثينا، حيث تنتج Apivita مجموعة من منتجات الصحة والجمال الطبيعية، بما في ذلك المكملات العشبية والزيوت الأساسية ومنتجات العناية بالبشرة، وتستخدم الشركة الأعشاب اليونانية التقليدية مثل البروبوليس والغذاء الملكي للنحل والعسل في منتجاتها، ويتم الحصول على العديد من مكوناتها من المزارعين ومربي النحل المحليين.

يمكن أن تكون العائدات المالية والاقتصادية لليونان من الترويج للطب التكميلي وسياحة الاستشفاء كبيرة، وفقا لتقرير صادر عن المعهد العالمي للصحة، بلغت قيمة سوق السياحة العلاجية عالميا 639 مليار دولار في عام 2017 ومن المتوقع أن تصل إلى 919 مليار دولار بحلول عام 2022، علما أنه يوجد شح في إحصائيات رسمية فيما يخص اليونان تحديدا.

أسهم استثمار الحكومة اليونانية في صناعة الأدوية التكميلية بشكل كبير في الدخل القومي للبلاد، فوفقا لتقرير صادر عن وزارة الصحة اليونانية، بلغت القيمة السوقية للمنتجات العشبية أكثر من 1.5 مليار يورو في عام 2019 بالإضافة إلى ذلك، خلقت الصناعة آلاف الوظائف بشكل مباشر وغير مباشر، وأسهمت الصناعة أيضا في سوق التصدير اليوناني، حيث يتم تصدير المنتجات العشبية إلى بلدان في جميع أنحاء العالم، وفقا للتقرير نفسه بلغت صادرات الأدوية التكميلية 280 مليون يورو في عام 2019، وكانت أكبر أسواق التصدير هي ألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا، وهو ما جعل الحكومة تعمل على وضع هدف لزيادة قيمة إنتاج الصناعة إلى 2 مليار يورو بحلول عام 2025.

في حين أن اليونان تستورد بعض الأدوية العشبية، خاصة تلك التي لا تنتمي إلى البلاد، هناك أيضا صناعة مزدهرة لإنتاج وبيع الأدوية العشبية اليونانية التقليدية، فمن خلال الترويج لجمالها الطبيعي وتاريخها القديم وممارسات العلاج التقليدية، يمكن لليونان الاستفادة من هذا النمو في السوق وجذب السياح من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يمكن أن يؤدي الترويج للطب التكميلي أيضا إلى خلق فرص عمل في اليونان، حيث تحتاج المنتجعات والمراكز الصحية إلى أخصائيين يستطيعون العمل بها من المواطنين، بما في ذلك المعالجون بالتدليك وأخصائي الوخز بالإبر والمعالجين بالأعشاب، بالإضافة إلى موظفي الدعم مثل موظفي الاستقبال وعمال الصيانة، فمن خلال الاستثمار في برامج التدريب ودعم تطوير هذه الصناعات، يمكن لليونان خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي لديها، أسهم نمو صناعة الطب التكميلي أيضا في سمعة اليونان الدولية كمركز للعلاجات الطبيعية وممارسات الشفاء وقد ساعد ذلك في جذب الاستثمار الأجنبي وإقامة شراكات جديدة مع الشركات في البلدان الأخرى.

تنشد المملكة إلى تعميق جانب الاستفادة من تجربة اليونان خصوصا أنها تخطو خطواتها الاحترافية الأولى، وتبادل الخبرات من الجانب اليوناني، خصوصا فى ظل العلاقات الثنائية الطيبة بين كلا البلدين، حيث شهد التبادل التجاري والاقتصادي بين اليونان والمملكة العربية السعودية زيادة مطردة في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الحجم الإجمالي للتجارة لا يزال صغيرا نسبيا، وبحسب هيئة الإحصاء اليونانية، بلغت القيمة الإجمالية للصادرات اليونانية إلى السعودية في عام 2020، 290 مليون يورو، في حين بلغت قيمة الواردات اليونانية من السعودية 1.34 مليار يورو، وتشمل أهم الصادرات من اليونان إلى المملكة العربية السعودية المنتجات البترولية المكررة ومنتجات الألمنيوم والأدوية، في حين تشمل أهم الواردات من المملكة العربية السعودية إلى اليونان البترول الخام والبلاستيك والمواد الكيميائية، في حين أن الحجم الإجمالي للتجارة بين البلدين صغير نسبيا، إلا أن هناك إمكانية للنمو، لا سيما في مجالات مثل السياحة والطاقة وتطوير البنية التحتية، في السنوات الأخيرة، كانت هناك جهود لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين اليونان والمملكة العربية السعودية، بما في ذلك توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون الاقتصادي في عام 2018.

تتطلع المملكة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولى العهد السعودي وفى إطار الرؤية الشاملة نحو آفاق جديدة من خلال رؤية 2030 إلى تعظيم الاستفادة من تجارب الدول المختلفة والرائدة فى الاقتصاديات المختلفة ولا سيما إذا ما كانت تتوفر على كل العوامل الممكنة لإنجاح تجربتها الخاصة والفريدة بها، خصوصا وأن المملكة كانت أول دول الشرق الأوسط والمنطقة في إنشاء المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في العام 2008، أي أن التخطيط لهذه الصناعة كان قد تم نثر بذرته الأولى بالفعل من عقد ونص من الزمن، لهذا ولكون تواجد هذه النية وذلك السعي المسبق لتحقيق الريادة وإرادة ولاة الأمر، فإن المملكة جاهزة تماما لصناعة اقتصاد خاصا وكامل بالطب التكميلي يحقق الاستفادة القصوى للإنسان أولا والمواطن السعودي ويدر ربحا ومدخلا اقتصاديا تتعاظم قوته مع مرور السنوات.