بسمة السيوفي

الإعلام السعودي.. إلى أين؟

الثلاثاء - 19 سبتمبر 2023

Tue - 19 Sep 2023

تغير حديثا مسمى «الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع» إلى «الهيئة العامة لتنظيم الإعلام» عبر إعلان مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية عن موافقته على التنظيم الجديد للهيئة لتصبح الجهة المسؤولة عن تنظيم وتطوير وتمكين قطاع الإعلام بكل أنواعه (المرئي والمسموع والمقروء)، وهي خطوة مباركة ستتيح للفضاء المعلوماتي النمو والتطور الصحي وستعزز التنوع الثقافي بالإضافة إلى المساعدة في تحديد الاتجاهات والتأثير عليها في حياة المجتمع الحديث.

تلعب وسائل الإعلام دورا مهما بشكليها الرسمي وغير الرسمي عبر وظائف مختلفة منها الإعلامية والتحليلية، الترفيهية، والإعلانية وهو أحد الأدوات الرئيسة للتعبير عن سياسية الدولة من خلال القيام بتنظيم المحتوى الرقمي بجميع أشكاله وصوره، ومراقبة نشاط الاعلان وفق ضوابط المحتوى الإعلاني، بالإضافة إلى ترتيب وضع العاملين في مجال الإعلام وتصنيف كوادرهم ومهامهم عبر ضبط أداء المهن الإعلامية، مما سيعزز غايات النمو والتنمية.

أما على المستوى الإجرائي فإن تقنين وتنفيذ القواعد الأكثر صرامة ستقلل بالتأكيد من المخاوف بشأن تدفق المعلومات الخاطئة التي تبث في الإعلام غير الرسمي، وسترفع من مستوى الموثوقية والتنافسية ذات المعايير المحددة.

هناك تصاعد في الاهتمام بتقنيات الجيل المقبل مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والعملات المشفرة، والعوالم الافتراضية أو شبه الافتراضية.. وما يتيحه ذلك من فرص جديدة للتواصل والإعلام والترفيه، وبالتالي فإن المناخ العام يخلق مجموعة مختلفة من التحديات تستدعي تنظيم منصات التواصل بشكل فاعل وحقيقي.

ومن هذا المنطلق فإن دور الهيئة العامة لتنظيم الإعلام سيتجاوز وضع السياسات والاستراتيجيات الإعلامية أو اقتراح مشروعات الأنظمة واللوائح في قطاع الاعلام مع توفير البيئة الاستثمارية للنمو.. إلى كونها مظلة وارفة ستتيح تعزيز جودة المنتج المحلي وتدعم النشاط الاقتصادي في هذا المجال.

ولا بد أن أشير إلى بحث منشور لمعهد رويتر للسياسة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بعنوان «اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2023..» ناقش صناعة المحتوى الموجه للجمهور، وتوقع أن تزيد نسبة محتوى البث الصوتي والصوت الرقمي إلى (80%)، يليه إنشاء الرسائل الإخبارية وتجديدها (70%)، وتطوير تنسيقات الفيديو الرقمية إلى (63%)... وبالتالي فإن التأثير على الخطاب الثقافي المتداول وتقويم الاتجاهات من خلال تسليط الضوء على مظاهر أو سلوكيات معينة يكمن في اختيار ما يمكن تغطيته وكيف تقدم المادة الإعلامية، وهو مجال محفوف بالمخاطر تركناه لفترة في أيدي ما سميناهم خبراء من دول مجاورة تميزت لأنها سبقت، وحان الوقت لتنظيمه بشكل أكبر.

كما أن تنظيم مهنة الإعلام لا يتعارض البتة مع تحرر الفكر المنتج.. المهم أن توفر الهيئات والوزارات المنظمة المناخ الصحي الملائم والداعم في ظل تنامي قوة «اقتصاد صانعي المحتوى» المؤثرين بشكل مباشر وغير مباشر، فالمحتوى المنشأ من المشاهير وأصحاب النفوذ سواء كان إخباريا.. معلوماتيا أو ترفيهيا يلاقي جذبا واهتماما أكثر من وسائل الإعلام الإخبارية... وهي حقيقة لا مفر منها خاصة المحتوى المنتج من مقاطع فيديو قصيرة برزت على الساحة بفضل ابتكارات المبدعين في الشبكات الاجتماعية الموجهة.. فضلا عن نمو منصات البث المباشر مثل Twitch ومنصات أخرى تسهم في تعزيز جودة المحتوى.

من منا لا يتابع صيحات «الترند» التي تلقى رواجا واهتماما كبيرا من الناس في مواقع التواصل المؤثرة مثل التيك توك، وتويتر «إكس» (الذي لم أتصالح مع اسمه الجديد بعد).. الترند هو ما يتم تداوله بين المتابعين وترتفع نسبة المشاهدات عليه.. وله قائمة تنشرها مواقع التواصل للإشارة إلى المواضيع الأكثر بحثا أو مشاهدة، ويتم تقييم «الترند» بشكل مختلف، فموقع «يوتيوب» يقيسه بالأعلى مشاهدة، و«قوقل» بالأكثر بحثا، بينما يقيسه «فيس بوك» و«تويتر» بالكلمات الأكثر تداولا بين المستخدمين.

تخيل أنك تكسب حوالي 3610 دولارات على اليوتيوب في السعودية إن حقق المحتوى الذي نشرته مليون مشاهدة، ويتم احتساب نقاط التيك توك مقابل 10 آلاف نقطة بسعر مقداره 178 ريال سعودي، أنت تربح مالا من تصدر الترند، بدون معايير لتقييم جودة المحتوى.

ولكي يصل أي موضوع على الإنترنت لمرحلة «الترند» يجب أن يقوم أكثر من 10 آلاف مستخدم بالحديث عنه، على أن يكون كل هؤلاء المستخدمون في منطقة جغرافية معينة كبلد واحد، أو تربطهم علاقة واحدة كمشجعي فريق معين؛ لذا يتسابق البعض للفوز بأكبر عدد من المشاهدات والمتابعين.. هناك أيضا تحديات شاعت يقوم بها بعض المشاهير، كتحدي رمي دلو من الثلج فوق الرؤوس.. وكيف تسارع تطبيق هذا التحدي من العوام بلا وعي.. في حين أن الهدف منه كان تسليط الضوء على مرضى التصلب اللويحي. نحن لا ننكر وجود محتوى يعزز الإنسانيات والأخلاقيات.. لكن الأكثر رواجا للأسف هو المخزي وغير الملائم.. الذي ينتهك الخصوصيات والحريات ويسلط الضوء على السخافات واللا أخلاقيات.

خلاصة القول إن مثل هذه النماذج لا يمكن منعها أو حجبها خاصة أن كان البث مباشرا؛ لذا أصبح ضروريا أن تواجه مثل هذه النماذج السلبية في صناعة المحتوى.. لا بد أن تتم مجابهة السيء بالجيد والمبدع من المحتوى عبر تشجيع ودعم وتنظيم المجال.. وعبر تصنيف الفئات العمرية المساهمة في صناعة المحتوى المحلي لحماية القيم الوطنية والمجتمعية.. فالحد من التجاوزات أولى من المعاقبة عليها.

هيبة الشعوب ومكانتها منبعها القوانين القوية والعادلة، والوجهة الآن معروفة ومحددة لضمان مساهمة قطاع الإعلام في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة.. خاصة وأننا على أعتاب مختلفة لتطور صناعة المحتوى وقوة تأثير وكفاءة التقنيات على مستوى العالم.

ويبقى التساؤل الموجه لوزير الإعلام ورئيس مجلس الهيئة وفريق العمل: هل تغير المسمى ووضوح الأدوار والاتجاهات سيواكبه تغير حقيقي فعال وملموس في صناعة الإعلام السعودي؟

smileofswords@