وليد الزامل

الترويج العقاري لعلب السردين!

السبت - 16 سبتمبر 2023

Sat - 16 Sep 2023

أطالع بين الحين والآخر مشاريع عقارية سكنية يتم الترويج لها باعتبارها حلم الأسرة والملاذ الآمن للاستقرار.

يأتي تسويق هذه العقارات السكنية مرافقا لمشاهد تصويرية تتضمن موقع الحي السكني ومحتويات المشروع والخدمات المحيطة ومكونات العقار السكني من الداخل.

المشاهد والوصف تشعرك أنك تشاهد مشروع سكني فريد من نوعه بداية من تسمية المشروع الذي يوضع في قالب المسميات الأجنبية والتي تؤكد على الحداثة والفخامة في آن واحد، فالأسماء العربية الخالصة لن تجذب العملاء كما يقولون.

يقوم المالك بإعادة تقسيم الأرض السكنية لكي تكون كافية لاستيعاب أكبر قدر من الوحدات السكنية وبالتالي تحقيق أعلى عوائد مالية من عملية البيع.

وهكذا فالبلوك السكني الذي يستوعب في المتوسط 24 وحدة سكنية يمكنه استيعاب أكثر من 48 وحدة سكنية ضمن أراض لا تتجاوز مساحتها 200 م2.

ومع ذلك، يحرص المالك على توفير جميع العناصر الوظيفية داخل الوحدة السكنية فهو يريد أن يلبي احتياجات العملاء بأي وسيلة كانت.

يبدأ المالك بحصر احتياجات الأسرة من خلال توفير الغرف والفراغات حتى لو كانت المساحة صغيرة.

ويحاول المصمم إرضاء رغبة المالك بتوفير جميع احتياجات المستخدمين بداية من المدخل الضيق الذي يفتح مباشرة على المجلس؛ وتوفير الأبواب الزجاجية التي تعكس الفراغات الداخلية أو تطل على منور داخلي لإعطاء شعور برحابة المكان.

أما غرف النوم فهي ضيقة للغاية والأفضل الاكتفاء بوضع سرير النوم فيها دون أي مكونات أخرى حتى لا تضطر إلى النوم وقوفا.

الفخامة لا تنتهي عند هذا الحد؛ فالوحدة السكنية يتوفر بها مسبح؛ نعم مسبح تراه في التصوير وكأنه مسبح أولمبي. ولكنه في الواقع، عباره عن بركة سباحة قد تكون مناسبة لسباحة طفل لا يتجاوز عمره 6 سنوات.

ولا ينسى المسوق التأكيد على وجود حديقة في المنزل بحيث يمكن لصاحب المنزل قضاء بعض الأوقات الممتعة في ممارسة هواية الزراعة والحصاد.

في الواقع، هذه الحديقة عباره عن شجرة واحده محاطة بأحجار بيضاء اللون ومزروعة في مساحة أبعادها لا تتجاوز 30 سنتيمتر في 20 سنتيمتر.

يحاول المالك استغلال المساحة الضيقة بإضافة بعض المكونات مثل البلكونة التي تطل على الشارع العام والتي لا يتجاوز عرضها نصف متر حتى تستمتع بشرب الشاي والقهوة مع أسرتك، أو بالأصح تظل واقفا لتصدع رأسك بمشاهدة مناظر الازدحام المروري.

أما دورات المياه فيتم حشر جميع مكوناتها بما فيها المرحاض والمغسلة وحوض الاستحمام بشكل متلاصق.

وأجزم أنك لن تستطيع استخدام المرحاض أو حتى الدخول إذا كان وزنك يزيد عن 90 كجم وإذا دخلت فلن تستطيع الخروج حالك كحال أسماك السردين المحشورة في علبة معدنية لا يمكن إخراجها إلا باستخدام الملعقة.

في الحقيقة، بدأ العديد من المستثمرين في مجال العقارات السكنية الاتجاه نحو ترشيد مساحات المسكن بشكل مبالغ فيه لتبدو كعلب السردين.

الترويج لهذا الفكر أمر مسلم به باعتباره نموذج لمساكن المستقبل وإذا سألتهم عن الأسباب استحضروا المثل الشهير "مد رجليك على قد لحافك".

وهكذا، أضحى هذا الاتجاه وكأنه مفتاح لحل مشكلة إسكان يتم التعامل معها باعتبارها وحدة سكنية تكبر أو تصغر مساحتها حسب قدرة الأسرة على الدفع.

المفاجأة أن علب السردين هذه -عفوا أقصد الوحدات السكنية- تروج بأسعار فلكية من ذوات الستة أصفار!

waleed_zm@