فهد عبدالله

ترددات منحنى الحياة

السبت - 16 سبتمبر 2023

Sat - 16 Sep 2023

طبيعة الحياة المتقلبة في تردداتها من حيث الأحداث وردود الفعل التي تشكلها في النفس مثل الفرح والحزن والإنجاز والإخفاق والنمو والتراجع وعشرات الظروف المتغيرة ما بين الارتفاع والانخفاض في منحنى الحياة تخبرنا بأن تلك الطبيعة باقية ما بقت السموات والأرض، والآيات القرآنية الكريمة التي أتت في هذا السياق حول تبدل الظروف والابتلاءات ومعاني الشكر والصبر التي تعاضدها ما كانت بهذه الوفرة إلا تأكيدا لهذه الحقيقة المطلقة التي يجب أن يكون لها تماه نفسي وفكري في دواخلنا لكي يكون التوافق مع ترددات منحنى الحياة هو أول مراحل التسليم والقبول والإيمان بالقدر خيره وشره.

لازلت أعيش كثيرا وأتأمل تلك المواقف المختلفة التي قد نسمع أو نقرأ عنها أو نمر بها من خلال التجارب الشخصية وتجارب الآخرين التي قد تصل بالإنسان بحالة حزن عميق أو الالتهابات الحادة التي تحدث في جلد النفس أو الإقرارات المستقبلية بالأنفاق المظلمة أو تلك الحالات التي تصل بالإنسان في حالة اليأس والاكتئاب ولا سمح الله في حالات نعرفها جيدا قادتهم تلك الظروف القاسية للتفكير مليا في إيقاف مد الحياة.

وعندما أتأمل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في التقييم النوعي للحياة الدنيا تجد فيها تلك العبر العميقة التي تسهل عمليات الحصانة الفكرية والنفسية أو حتى عمليات الاستشفاء في حالات المواقف النفسية المختلفة كما في الحديث الشريف (مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) والحديث الآخر (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليّم فلينظر بما يرجع)، وعشرات الآيات والأحاديث التي تهون من شأن الدنيا فيما يقابله من الحياة الآخرة.

وما تسأل شخصا ما مر بتجارب قاسية في حياته وتجاوزها ستجد في ثنايا تجربته شيئا من هذه المشتركات التي أعتقد أنها بمثابة مدارات للتأمل قد تحيي في النفس فعالية عظمى في التعامل مع ترددات منحنى الحياة المنخفضة منها:

- عدم قبول الأساسات المتصدعة (Crack Foundation) التي تسهل ردود الفعل السلبية تجاه الأحداث وأن الإنسان لا يمكنه تجاوز هذا الأمر إلا من خلال الإصلاح الذاتي وجلسات المراجعات الشخصية والجاهزية التامة للتصحيح لما يملك من مفاهيم واعتقادات خاطئة.

- الصلابة النفسية أو العقلية (Mental Toughness) لا يمكنها أن تأخذ مكانها وتتموضع داخل النفس وبجانبها عقلية الضحية (Victim Mentality)، اعتقد بعكسية العلاقة فيما بينهما، كلما ارتفعت الصلابة العقلية انخفض مستوى التفكير بعقلية الضحية والعكس صحيح، هكذا أعتقد.

- عدم التقيد بتاتا بمعايير المجتمع المحيط، اعلم أن العقل من طبيعته التأثر بالمدخلات التي نراها ونعيشها ونقرأها ولكن أيضا العقل لديه القدرة الهائلة أن يهتدي الى معاييرك الخاصة التي ستخبرك يوما ما مع كثرة الممارسة والتجارب بأنك شخص فريد جدا لا يشبهك أحد في السابقين أو اللاحقين وحينها ستحدث المعجزة التي هي من عيون النضج البشري بأن المقارنة يجب لها أن تكون بين ما هو أنا عليه الآن ومقارنة بما هو عليه أنا بالأمس وماذا أريد أن أكون أنا عليه في الغد.

- النمو الحقيقي لا يمكن أن يحدث للإنسان وهو في طريق مرفه مليء بالراحة والطلبات المعلبة الجاهزة، ما يشعرك بالارتياح هو ما يدمرك وما يشعرك بالمشقة هو طريقك الوحيد للتطور، والله أن القصص والحكايات تترى أمام العين كيف أن كثيرا من ظروف الحياة الصعبة حولت أصحابها إلى رموز في الكفاح والإنجاز، هي هكذا.

كل هذه الانعكاسات النفسية التي تحدثها ترددات الحياة المنخفضة تخبرنا مدى الحاجة العميقة للصلابة النفسية والفكرية والسلوكية في مواجهاتها ولا يمكن لهذه الصلابة أن تكون موجودة دون المرور بهذه المواقف المختلفة والانهماك فيها جلدا وصبرا وإن فقدت السيطرة يوما ما على بعض تلك المواقف، الطريق يبدأ أولا من خلال التهيئة النفسية والإيمانية بهذه التقلبات ومن ثم مكابدة ظروف الحياة المتغيرة والنظر إليها بأن ذلك كله خير فالشوكة كما في الحديث الشريف فيها أجر وما يحدث للإنسان بهذا الفهم العميق لتقلبات الحياة سيكون الملجأ والحصن من تمدد ردود الفعل التي تخرج الإنسان عن السيطرة.