كتاب السعودية المتغيرة: حيرة واستغراب
السبت - 16 سبتمبر 2023
Sat - 16 Sep 2023
أشار الناقد محمد العباس في كلمته بملتقى الأدباء المنعقد مؤخرا بمدينة حائل إلى شيء من هِنات الكتب التي تم ترجمتها من وإلى العربية عبر مبادرة ترجم، وأشار إلى وجوب تشكيل لجنة وطنية لإجازة ما يجب ترجمته إلى العربية أو منها إلى اللغات الأخرى، وحتما فجميعنا يتفقون معه في ذلك، مع أهمية أن يعاد للمثقف التنويري موقعه ودوره الوظيفي في خريطة العمل الثقافي القائم.
أشير إلى أننا في المملكة العربية السعودية قد قطعنا شوطا كبيرا على النطاق الثقافي، ولم نكن عبر مختلف عقود القرن العشرين مجتمعا خاملا، أو بعيدا عن أشكال الإبداع شعرا ونثرا، بل لم نكن خارج إطار التنوير في مختلف الحقب، بالرغم من وجود أصوات معارضة تنطلق من تشددها الديني، ومع ذلك فقد برز الكثير من النخب المبدعة على مختلف الأصعدة الثقافية، موسيقيا، ومسرحيا، وشعريا، ونثريا قصصيا وروائيا، علاوة على الفنون البصرية من تشكيل وتصوير ضوئي.
هذا ما أعرفه يقينا، ووثقت لجانب منه في المجلد الثقافي بموسوعة جدة، وأجد من الظلم أن يتم تجاهله من قبل أي راصد للحراك الثقافي المعاصر، لا سيما أولئك الذين اختزلوا بناء المشهد الثقافي السعودي في العقدين الأولين من هذا القرن 21م، وأجزم أن ذلك من الجحود المرفوض، والعقوق المؤلم، وينطلق من بعدين أحدهما ينم عن جهل مطبق، وآخر يدل على ذهن قاصرة غير مهنية أبدا.
هذا ما تراءى لي وأنا أقرأ كتاب «السعودية المتغيرة: الفن والثقافة والمجتمع في المملكة» من تأليف د. شون فولي، وهو أحد كتب مبادرة ترجم، وتم نشره من قبل دار أدب للنشر والتوزيع، وألحق في غلافه الخلفي شعار «إثراء» ولم أعرف دورهم في ذلك.
قام بترجمة الكتاب الدكتورة نهى العويضي التي عملت جهدها لصياغة الكتاب بسياق عربي؛ كما قام عبدالرحمن الخلف بمراجعة النص مراجعة دقيقة مرتين كما ذكر في كلمة الناشر، إلى غيرهما من الأسماء التي حفلت بها المقدمة وذكرتهم بإشادة بالغة لعملهم في مراجعة النص وتدقيق محتواه والتعليق عليه بوجه عام.
هكذا تقديم دقيق يعطي القارئ اطمئنانا بأن الكاتب قد حوى بحديثه الفنون والثقافة والصور المجتمعية في السعودية بأكملها، وأظهر ملامح التغيير فيها، ولذلك استحق الكتاب أن يتم ترجمته باسم مبادرة ترجم، وكان حرص دار النشر كبيرا على مراجعته وتحريره والتعليق عليه بكثير من التدقيق والمتابعة العلمية.
غير أني وللأسف لم أرَ فيه سوى سرد مفصل لتجربة شخصيتين فنيتين حديثتين هما: أحمد ماطر، وعبدالناصر غارم، علاوة على ذكر من حولهما من أقربائهما وأصدقائهما، وكأني بعنوان الكتاب كان يجب أن يكون «السعودية المتغيرة: نظرة في تجربة أحمد ماطر وعبد الناصر غارم»، وأؤمن أن ذلك من حقهما كفنانين سعوديين.
لكن أن يعمد المؤلف إلى وصفهما بأنهما من أسسا «حركة الفنون البصرية السعودية الحديثة، أو حركة الفنون السعودية باختصار» (صفحة 97)، ودون أن أجد تعليقا يعيد الحق إلى نصابه، فهذا ظلم وجحود. وفي صفحة 99 نجده يقول: «إن قصة حركة الفنون السعودية بدأت في عسير... هناك أسس غارم وماطر حركة فنون جديدة في 2003م أعادت تعريف الثقافة في المملكة، وابتكرت وسيلة جديدة لتثقيف السعوديين».
هكذا وبكل بساطة يلغي المؤلف دور مدن سعودية سباقة كجدة والرياض اللتين أسستا الحركة الفنية قبل غيرهما من المدن بعقود، وهمَّش دور فنانين كبارا تواجدوا على الساحة بمفاهيم فنية متجددة منذ الستينيات والسبعينيات وما بعدها من القرن الماضي.
والواقع فلا إشكال لدي في أن يكون ذلك من وجهة نظر المؤلف الذي لم يرَ من الجبل إلا رأسه، لكني عاتب على من قام بتحرير العمل ومراجعته وتدقيقه ولم يكتب تعليقا منصفا، وأخشى أنه لا يعرف من الجبل إلا رأسه أيضا.
أشير إلى أن الكتاب يعج بالأخطاء الكارثية التي تزدري التجربة السعودية، والأسوأ حين تختزله في جانب الفنون البصرية على من ذكرت، وفي جانب الأداء التمثيلي على خمسة أشخاص عملوا في الكوميديا الارتجالية standup comedy وأنهم من أحدثوا التغيير في الثقافة السعودية، غافلا دور رهط كبير من المسرحيين والممثلين الذي أبدعوا بأعمالهم القوية نصا ومضمونا.
على أني وإن كنت أعذره لعدم مهنيته كما بات مؤكدا لي، فإني لا أجد عذرا لكل من راجع نصه ودققه، وحتى لمن رشح الكتاب للترجمة، فهو كتاب لا يصلح أن تتم ترجمته باسم مبادرة وطنية، إلا إذا أريد من ذلك، التوضيح، والتعليق، والرد، على عدد من أفكاره المشوشة.
أختم بالتنبيه بأن الفنان التشكيلي الرائد عبدالحليم لقبه الرضوي وليس الراوي، وأن سالم ليس لقب زميله الفنان التشكيلي الرائد محمد السليم.
والله المستعان.
zash113@
أشير إلى أننا في المملكة العربية السعودية قد قطعنا شوطا كبيرا على النطاق الثقافي، ولم نكن عبر مختلف عقود القرن العشرين مجتمعا خاملا، أو بعيدا عن أشكال الإبداع شعرا ونثرا، بل لم نكن خارج إطار التنوير في مختلف الحقب، بالرغم من وجود أصوات معارضة تنطلق من تشددها الديني، ومع ذلك فقد برز الكثير من النخب المبدعة على مختلف الأصعدة الثقافية، موسيقيا، ومسرحيا، وشعريا، ونثريا قصصيا وروائيا، علاوة على الفنون البصرية من تشكيل وتصوير ضوئي.
هذا ما أعرفه يقينا، ووثقت لجانب منه في المجلد الثقافي بموسوعة جدة، وأجد من الظلم أن يتم تجاهله من قبل أي راصد للحراك الثقافي المعاصر، لا سيما أولئك الذين اختزلوا بناء المشهد الثقافي السعودي في العقدين الأولين من هذا القرن 21م، وأجزم أن ذلك من الجحود المرفوض، والعقوق المؤلم، وينطلق من بعدين أحدهما ينم عن جهل مطبق، وآخر يدل على ذهن قاصرة غير مهنية أبدا.
هذا ما تراءى لي وأنا أقرأ كتاب «السعودية المتغيرة: الفن والثقافة والمجتمع في المملكة» من تأليف د. شون فولي، وهو أحد كتب مبادرة ترجم، وتم نشره من قبل دار أدب للنشر والتوزيع، وألحق في غلافه الخلفي شعار «إثراء» ولم أعرف دورهم في ذلك.
قام بترجمة الكتاب الدكتورة نهى العويضي التي عملت جهدها لصياغة الكتاب بسياق عربي؛ كما قام عبدالرحمن الخلف بمراجعة النص مراجعة دقيقة مرتين كما ذكر في كلمة الناشر، إلى غيرهما من الأسماء التي حفلت بها المقدمة وذكرتهم بإشادة بالغة لعملهم في مراجعة النص وتدقيق محتواه والتعليق عليه بوجه عام.
هكذا تقديم دقيق يعطي القارئ اطمئنانا بأن الكاتب قد حوى بحديثه الفنون والثقافة والصور المجتمعية في السعودية بأكملها، وأظهر ملامح التغيير فيها، ولذلك استحق الكتاب أن يتم ترجمته باسم مبادرة ترجم، وكان حرص دار النشر كبيرا على مراجعته وتحريره والتعليق عليه بكثير من التدقيق والمتابعة العلمية.
غير أني وللأسف لم أرَ فيه سوى سرد مفصل لتجربة شخصيتين فنيتين حديثتين هما: أحمد ماطر، وعبدالناصر غارم، علاوة على ذكر من حولهما من أقربائهما وأصدقائهما، وكأني بعنوان الكتاب كان يجب أن يكون «السعودية المتغيرة: نظرة في تجربة أحمد ماطر وعبد الناصر غارم»، وأؤمن أن ذلك من حقهما كفنانين سعوديين.
لكن أن يعمد المؤلف إلى وصفهما بأنهما من أسسا «حركة الفنون البصرية السعودية الحديثة، أو حركة الفنون السعودية باختصار» (صفحة 97)، ودون أن أجد تعليقا يعيد الحق إلى نصابه، فهذا ظلم وجحود. وفي صفحة 99 نجده يقول: «إن قصة حركة الفنون السعودية بدأت في عسير... هناك أسس غارم وماطر حركة فنون جديدة في 2003م أعادت تعريف الثقافة في المملكة، وابتكرت وسيلة جديدة لتثقيف السعوديين».
هكذا وبكل بساطة يلغي المؤلف دور مدن سعودية سباقة كجدة والرياض اللتين أسستا الحركة الفنية قبل غيرهما من المدن بعقود، وهمَّش دور فنانين كبارا تواجدوا على الساحة بمفاهيم فنية متجددة منذ الستينيات والسبعينيات وما بعدها من القرن الماضي.
والواقع فلا إشكال لدي في أن يكون ذلك من وجهة نظر المؤلف الذي لم يرَ من الجبل إلا رأسه، لكني عاتب على من قام بتحرير العمل ومراجعته وتدقيقه ولم يكتب تعليقا منصفا، وأخشى أنه لا يعرف من الجبل إلا رأسه أيضا.
أشير إلى أن الكتاب يعج بالأخطاء الكارثية التي تزدري التجربة السعودية، والأسوأ حين تختزله في جانب الفنون البصرية على من ذكرت، وفي جانب الأداء التمثيلي على خمسة أشخاص عملوا في الكوميديا الارتجالية standup comedy وأنهم من أحدثوا التغيير في الثقافة السعودية، غافلا دور رهط كبير من المسرحيين والممثلين الذي أبدعوا بأعمالهم القوية نصا ومضمونا.
على أني وإن كنت أعذره لعدم مهنيته كما بات مؤكدا لي، فإني لا أجد عذرا لكل من راجع نصه ودققه، وحتى لمن رشح الكتاب للترجمة، فهو كتاب لا يصلح أن تتم ترجمته باسم مبادرة وطنية، إلا إذا أريد من ذلك، التوضيح، والتعليق، والرد، على عدد من أفكاره المشوشة.
أختم بالتنبيه بأن الفنان التشكيلي الرائد عبدالحليم لقبه الرضوي وليس الراوي، وأن سالم ليس لقب زميله الفنان التشكيلي الرائد محمد السليم.
والله المستعان.
zash113@