علي المطوع

أكثر ما في بلاد الجوع الحطب

الخميس - 14 سبتمبر 2023

Thu - 14 Sep 2023

العنوان أعلاه هو أحد أمثالنا الشعبية الدارجة، والتي تعني أنه في حالات القحط الشديدة يكثر الحطب كون الشجر قد يبس تبعا لموجات الجفاف التي اعترته وعرته، ولكنه في نفس الوقت حطب لا يستفاد منه، فالدنيا كلها جوع ومصادر الأكل منعدمة فبالتالي يصبح هذا الحطب بلا قيمة تذكر فتشكر.

تذكرت هذا المثل وأنا أتصفح إحدى صحفنا العربية العريقة وقد انبرى كتابها على كتابة مقالات طويلة جدا، ولكون هذه الصحيفة قد أدخلت نظام المقال المسموع، فقد ذهلت عندما تجاوز مقال لرئيس التحرير فيها تسع دقائق، وكأنك تستمع إلى عمل إذاعي درامي طويل وممل، تساءلت في نفسي ما الذي يجعل هؤلاء الكتاب يكتبون بهذه الطريقة المملة، وهل أصبح أعداد الكتاب وأطروحاتهم يتجاوز الحد الذي يرضي القارئ ويغطي مساحات فضوله؟!.

أعتقد أن المساحات والمنابر التي هيأتها وسائل التواصل الاجتماعي قد زادت من أعداد الكتاب وسمحت لهم بالنشر في أي زمان ومكان، وبالتالي حصل هناك نوع من التضخم الكتابي، أو بمعنى أكثر تبسيطا؛ زيادة في العرض يقابله عزوف من القارئ عن قراءة ما يكتب هؤلاء، ومع ذلك تزداد وتيرة الصنعة الكتابية ويزداد معها شغف الكتاب للكتابة دون أثر يشاهد أو تأثير يلحظ.

إن الكتابة ما عادت قادرة على الصمود في وجه وسائل التأثير الأخرى، إلا في حالات إبداعية معينة كالقصة والرواية وشيء من الشعر، وبالتالي يصبح الكاتب كمن يغني في حفلة للصم، فلا هو قادر على السكوت، ولاهم يستطيعون الإحساس وسماع ما يقول، وهنا تتجسد صورة من صور زيادة العرض وقلة الطلب، فترخص السلعة وتتردى قيمتها، وتصبح خسارة للكاتب والوسيلة الكتابية التي ما عادت تستطيع الوفاء بأدنى التزاماتها تجاه هذا الكاتب والقارئ والعامل البسيط الذي يخرج هذه الأعمال الكتابية للنور.

الكتاب يعانون من أزمة اسمها تكرار الإنتاج والتي كانت سببا في عزوف القارئ عن القراءة، فما يكتب ليس جديرا بالاهتمام ولا جديدا تحمله الركبان ليستطيع الصمود أمام وسائل التأثير الأخرى، التي سحبت البساط من تحت الكاتب وجعلته يعيش على الكفاف على مستوى الدخل والشهرة، اللذين كانا يصاحبان نتاجه الإبداعي الذي كان يحتفل به كل صباح في الصحف والمجلات.

يهجس الكاتب دائما في داخله بأنه صاحب قدرة و تأثير، والحقيقة غير ذلك، فما عاد أحد يعبأ بما يكتب وما عادت أطروحاته تستوقف النخب والعامة، سوى في محاولات قرائية بسيطة، الغرض منها فك طلاسم ما يفكر به هذا الكاتب أو ذاك، عدا ذلك فلن تجد هناك من يتأثر لمقال أو طرح مهما كانت جودته؛ لأن الفضاء أصبح ملكا لوسائل تواصل أخرى، أحدثت ثورة في عالم التواصل والاتصال وأزاحت الكتابة وسدنتها عن عرشهم التليد، ليصبحوا بكل تجلياتهم وحراكاتهم وحركاتهم ذلك الأثر القديم الذي كان ولم يعد له مكانا.


alaseery2@