مين أبرار؟!
الثلاثاء - 12 سبتمبر 2023
Tue - 12 Sep 2023
المريضة سعودية والتشخيص حصوات في المرارة سبقها التهاب كبد وبائي نوع A.. العلاج المكثف عبر المسكنات والمضادات الحيوية لتخفيف الالتهابات وخفض أنزيمات الكبد تجهيزا لعملية الاستئصال بالمنظار، الحالة حرجة لمدة 3 أسابيع وبعناية الأطباء، وبلطف القدير قبل كل شيء ظهر التحسن التدريجي استعدادا لإجراء العملية المرتقبة.
أتناول في مقالي هذا المستشفى الجامعي في محافظة جدة التابع لجامعة الملك عبدالعزيز، التي يكفيها فخرا أنها تحمل اسم المؤسس.. هي جامعتي العزيزة في تخصص البكالوريوس.. الصرح المرموق الذي ينعم بالصدارة، ويهدف ليكون ضمن أفضل 100 مستشفى على مستوى العالم.
ترتكز القيم المؤسسية لديه على سبعة منها الاحترافية، الجودة والالتزام، هناك خطة استراتيجية منشورة حتى 2025 تسعى لتنمية الكوادر وتطوير تقنية المعلومات لتأثيرها على تحقيق الأهداف.
يمكنه تشغيل 1000 سرير، وهناك 22 غرفة عمليات و18 إدارة ووحدة بالإضافة إلى 16 قسما للخدمات الطبية.
موارد الدخل من وزارة التعليم ووزارة الصحة مع التبرعات والهبات.
كافة الطواقم الطبية مؤهلة للممارسة ومسجلة ومعتمدة من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
وهناك سياسات تضمن الكفاءة المهنية والرعاية الجيدة من خلال التوظيف والتعليم المستمر والاستبقاء.
فمن هي أبرار!؟
تجدولت العملية من قبل فريق الاستشاريات القديرات طبيبة الجراحة الاستشارية الدكتورة دعاء فالح والأستاذة الدكتورة هند فلاتة استشارية الكبد والمناظير، وهما نموذجان سعوديان فاخران من الكفاءة والمهنية والعناية الخبيرة لدرجة أنك تغبط جدة الحبيبة والمستشفى الجامعي على وجودهما بها.
كانت الساعة العاشرة مساء وتتطلب إجراءات ما قبل العملية توقيع المريضة على ورقة الموافقة المستنيرة (كما يسمونها) فاستلمتها لتجد أن اسم الطبيبة التي ستجري الجراحة قد تبدل على حين غرة إلى.. أبرار.. (ولن أذكر باقي الاسم).. وأن الجراحة ستجرى عبر المنظار الفموي!
تخيلوا حالة المريض عندما يفاجأ بتغير الطبيب المسؤول عن الحالة وتغير نوعية الجراحة دون سبب! أرسلت المريضة صورة النموذج لإخوتها في الواتس آب متسائلة: تعرفوا مين أبرار؟ مرت نصف ساعة قبل حضور الطبيبة المقيمة وبيدها أوراق جديدة واعتذرت للمريضة بأنه سهو من زميلها السابق، حيث طبع النموذج دون تغيير اسم الجرّاح؟! ثم سألتها لمن اشتكت.. فقالت: لم أشتكِ فقط أرسلت النموذج إلى إخوتي.. وربما تواصلوا مع المسؤولين.. ردت قائلة إنه "قد وردهم العديد من المكالمات وتمت مساءلة طبيبة الجراحة المكلفة عن سبب التخلي عنك.. وقد تفاجأت ونفت ذلك".
المهم جاءت بكرة صباح يوم العملية، حضر أحد الأطباء المتدربين إلى الغرفة وطلب إيجاد متبرع عاجل لكيس دم واحد.. هكذا فجأة.. وترك المريضة ومن معها في حيرة... ثم أخبر المريضة وهو يتولى كئيبا.. إنه قد تم حجز سرير لها في غرفة الإنعاش!
يأتي المريض إلى المستشفى وهو في أضعف حالاته، بداخله خليط معقد من الألم والقلق، وبإمكان نظرة واحدة فقط من الطبيب أن تتلاعب بمشاعره وصحته، فما بالكم بالأسلوب المفتقر إلى أبسط مهارات الذكاء العاطفي، أضف إلى ذلك تعدد قنوات الاتصال مع المريض عبر أكثر من طبيب، ومساعد ومقيم تحت التدريب! تخيل أن يتم إرهابك قبل العملية (ولو بدون قصد) ليهدر هؤلاء بسخف جهدا مؤسساتيا ورعاية متواترة من قبل الإدارة والفريق الطبي بأكمله.
هناك أيضا رعاية واحترافية من بعض الممرضات، لكن هناك نقص في الكادر؛ فالنسبة هي ممرضة واحدة لكل (6) مرضى، وجل الممرضات من كيرلا بالهند؛ فثقافة الصوت العالي غالبة، والحوارات عند منطقة التمريض تتم بصخب، وبرغم ذلك لم أصدق التضاد في جودة تقديم الخدمات عندما رأيت بأم عيني عاملا مختصا لقتل الذباب بالصاعق الكهربائي يجوب ردهات مدخل المستشفى!
دعونا هنا نتساءل عن جدوى استراتيجيات المؤسسات الطبية الحكومية، وكيف لا تترجم خطط العمل إلى ممارسات تحقق الكفاءة والتميز؟ ما الذي سيفعله المريض الذي لا معارف له أو وساطة في الحجوزات والمختبرات والأشعة في ظل بطء وتعثر الخدمات مع شح الأدوية؟ لماذا يتحمل المريض ضغوطا مردها تقشف الميزانية والتخصيص وعجز رأس المال البشري؟ هناك بالتأكيد خلل في تسلسل تنفيذ العمليات وخطوات متابعة حالة المريض، وهناك تراخ في تدريب موظفي الخطوط الأمامية، بداية من مسؤولي الأمن والنظافة وحتى بائع القهوة في المتجر المؤجر، وصولا إلى مدراء الأقسام المعنية ثم رأس الهرم. لا تقولوا احمدوا الله على ما يقدم في القطاع الحكومي.. الحمد لله من قبل ومن بعد.. لكن جودة الحياة هي من جودة تلقي العلاج الصحي.. والتطبيب بلا خدمات جيدة كالصلاة بلا وضوء.. فكيف!؟
الغاية من وضع ملف الخدمات المساندة في المستشفى الجامعي على الطاولة كمثال هو مراقبة سياسات المعالجة الطبية بهدف التطوير والتحسين وليس السكوت والتعتيم.. وإلا فلن يكون هناك نجاعة لبرامج تحول القطاع الصحي أبدا.
لست اشتكي تذمرا بقدر ما أرجو من الإدارة والقيادات أن تلتفت إلى نقاط تحسين الأداء لطاقم المستشفى الموقر؛ فلم يعد مقبولا أن يتعامل الطبيب المخلص لقسمه، في مرحلة التدريب أو الزمالة، بطريقة غير محترفة مع الحالة المرضية، القدم المكسورة لن تشفى بجورب من حرير... دربوا فريق المستشفى كله على مهارات التواصل، لغة الجسد، الصوت، المهارات اللفظية والبصرية والالتزام المهني.
أرجوكم ساعدوهم للبر بالقسم... لابد للمنظومة الطبية في كافة القطاعات أن تتحسن عن بكرة أبيها، حيث إن تطوير القطاع الصحي لا يرتكز فقط على عمليات الرقمنة ومراقبة الجودة بقدر ما يرتكز إلى تحسين حق الانتفاع بالخدمات الصحية.
تمت العملية الجراحية بسلام.. وإلى الآن لم تشاهد المريضة دكتورة أبرار.. فكل التقدير والتحية لها.
smileofswords@
أتناول في مقالي هذا المستشفى الجامعي في محافظة جدة التابع لجامعة الملك عبدالعزيز، التي يكفيها فخرا أنها تحمل اسم المؤسس.. هي جامعتي العزيزة في تخصص البكالوريوس.. الصرح المرموق الذي ينعم بالصدارة، ويهدف ليكون ضمن أفضل 100 مستشفى على مستوى العالم.
ترتكز القيم المؤسسية لديه على سبعة منها الاحترافية، الجودة والالتزام، هناك خطة استراتيجية منشورة حتى 2025 تسعى لتنمية الكوادر وتطوير تقنية المعلومات لتأثيرها على تحقيق الأهداف.
يمكنه تشغيل 1000 سرير، وهناك 22 غرفة عمليات و18 إدارة ووحدة بالإضافة إلى 16 قسما للخدمات الطبية.
موارد الدخل من وزارة التعليم ووزارة الصحة مع التبرعات والهبات.
كافة الطواقم الطبية مؤهلة للممارسة ومسجلة ومعتمدة من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
وهناك سياسات تضمن الكفاءة المهنية والرعاية الجيدة من خلال التوظيف والتعليم المستمر والاستبقاء.
فمن هي أبرار!؟
تجدولت العملية من قبل فريق الاستشاريات القديرات طبيبة الجراحة الاستشارية الدكتورة دعاء فالح والأستاذة الدكتورة هند فلاتة استشارية الكبد والمناظير، وهما نموذجان سعوديان فاخران من الكفاءة والمهنية والعناية الخبيرة لدرجة أنك تغبط جدة الحبيبة والمستشفى الجامعي على وجودهما بها.
كانت الساعة العاشرة مساء وتتطلب إجراءات ما قبل العملية توقيع المريضة على ورقة الموافقة المستنيرة (كما يسمونها) فاستلمتها لتجد أن اسم الطبيبة التي ستجري الجراحة قد تبدل على حين غرة إلى.. أبرار.. (ولن أذكر باقي الاسم).. وأن الجراحة ستجرى عبر المنظار الفموي!
تخيلوا حالة المريض عندما يفاجأ بتغير الطبيب المسؤول عن الحالة وتغير نوعية الجراحة دون سبب! أرسلت المريضة صورة النموذج لإخوتها في الواتس آب متسائلة: تعرفوا مين أبرار؟ مرت نصف ساعة قبل حضور الطبيبة المقيمة وبيدها أوراق جديدة واعتذرت للمريضة بأنه سهو من زميلها السابق، حيث طبع النموذج دون تغيير اسم الجرّاح؟! ثم سألتها لمن اشتكت.. فقالت: لم أشتكِ فقط أرسلت النموذج إلى إخوتي.. وربما تواصلوا مع المسؤولين.. ردت قائلة إنه "قد وردهم العديد من المكالمات وتمت مساءلة طبيبة الجراحة المكلفة عن سبب التخلي عنك.. وقد تفاجأت ونفت ذلك".
المهم جاءت بكرة صباح يوم العملية، حضر أحد الأطباء المتدربين إلى الغرفة وطلب إيجاد متبرع عاجل لكيس دم واحد.. هكذا فجأة.. وترك المريضة ومن معها في حيرة... ثم أخبر المريضة وهو يتولى كئيبا.. إنه قد تم حجز سرير لها في غرفة الإنعاش!
يأتي المريض إلى المستشفى وهو في أضعف حالاته، بداخله خليط معقد من الألم والقلق، وبإمكان نظرة واحدة فقط من الطبيب أن تتلاعب بمشاعره وصحته، فما بالكم بالأسلوب المفتقر إلى أبسط مهارات الذكاء العاطفي، أضف إلى ذلك تعدد قنوات الاتصال مع المريض عبر أكثر من طبيب، ومساعد ومقيم تحت التدريب! تخيل أن يتم إرهابك قبل العملية (ولو بدون قصد) ليهدر هؤلاء بسخف جهدا مؤسساتيا ورعاية متواترة من قبل الإدارة والفريق الطبي بأكمله.
هناك أيضا رعاية واحترافية من بعض الممرضات، لكن هناك نقص في الكادر؛ فالنسبة هي ممرضة واحدة لكل (6) مرضى، وجل الممرضات من كيرلا بالهند؛ فثقافة الصوت العالي غالبة، والحوارات عند منطقة التمريض تتم بصخب، وبرغم ذلك لم أصدق التضاد في جودة تقديم الخدمات عندما رأيت بأم عيني عاملا مختصا لقتل الذباب بالصاعق الكهربائي يجوب ردهات مدخل المستشفى!
دعونا هنا نتساءل عن جدوى استراتيجيات المؤسسات الطبية الحكومية، وكيف لا تترجم خطط العمل إلى ممارسات تحقق الكفاءة والتميز؟ ما الذي سيفعله المريض الذي لا معارف له أو وساطة في الحجوزات والمختبرات والأشعة في ظل بطء وتعثر الخدمات مع شح الأدوية؟ لماذا يتحمل المريض ضغوطا مردها تقشف الميزانية والتخصيص وعجز رأس المال البشري؟ هناك بالتأكيد خلل في تسلسل تنفيذ العمليات وخطوات متابعة حالة المريض، وهناك تراخ في تدريب موظفي الخطوط الأمامية، بداية من مسؤولي الأمن والنظافة وحتى بائع القهوة في المتجر المؤجر، وصولا إلى مدراء الأقسام المعنية ثم رأس الهرم. لا تقولوا احمدوا الله على ما يقدم في القطاع الحكومي.. الحمد لله من قبل ومن بعد.. لكن جودة الحياة هي من جودة تلقي العلاج الصحي.. والتطبيب بلا خدمات جيدة كالصلاة بلا وضوء.. فكيف!؟
الغاية من وضع ملف الخدمات المساندة في المستشفى الجامعي على الطاولة كمثال هو مراقبة سياسات المعالجة الطبية بهدف التطوير والتحسين وليس السكوت والتعتيم.. وإلا فلن يكون هناك نجاعة لبرامج تحول القطاع الصحي أبدا.
لست اشتكي تذمرا بقدر ما أرجو من الإدارة والقيادات أن تلتفت إلى نقاط تحسين الأداء لطاقم المستشفى الموقر؛ فلم يعد مقبولا أن يتعامل الطبيب المخلص لقسمه، في مرحلة التدريب أو الزمالة، بطريقة غير محترفة مع الحالة المرضية، القدم المكسورة لن تشفى بجورب من حرير... دربوا فريق المستشفى كله على مهارات التواصل، لغة الجسد، الصوت، المهارات اللفظية والبصرية والالتزام المهني.
أرجوكم ساعدوهم للبر بالقسم... لابد للمنظومة الطبية في كافة القطاعات أن تتحسن عن بكرة أبيها، حيث إن تطوير القطاع الصحي لا يرتكز فقط على عمليات الرقمنة ومراقبة الجودة بقدر ما يرتكز إلى تحسين حق الانتفاع بالخدمات الصحية.
تمت العملية الجراحية بسلام.. وإلى الآن لم تشاهد المريضة دكتورة أبرار.. فكل التقدير والتحية لها.
smileofswords@