عادل الحميدان

الغابون.. الحلقة الجديدة

الثلاثاء - 12 سبتمبر 2023

Tue - 12 Sep 2023

أعاد مشهد تحلق مجموعة من الضباط الغابونيين حول ميكروفون عند تلاوة أحدهم للبيان الأول إلى الذاكرة عشرات المشاهد التي عرفها العالم في النصف الثاني من القرن الماضي في القارة الأفريقية.

ولعل ما نشط الذاكرة هو أن البيان لم يختلف في مضمونه عما يصاحب عادة هذا النوع من البيانات، حيث تم الإعلان عن الاستيلاء على السلطة وإسقاط النظام السياسي الحالي وإغلاق الحدود حتى إشعار آخر.

حمى الانقلابات التي استشرت منذ العام 2020 في غرب ووسط أفريقيا لا تعني أن القارة السمراء قبل هذا العام قد عرفت استقرارا سياسيا كليا.

بل إن اللافت هو ارتفاع وتيرتها، حيث شهدت الأربعين عاما الأخيرة من القرن العشرين أربع محاولات انقلابية في العام الواحد كمتوسط يضعها في قائمة المناطق الجغرافية الأكثر اضطرابا والأقل في معدلات التنمية والازدهار.

في الشأن الغابوني، يبدو الأمر مختلفا عن مسلسل الانقلابات في النيجر وغينيا وركينا فاسو ومالي والقائمة تطول في تلك القارة العصية على كل برامج الاستقرار والتنمية.

فالغابون تشهد انتعاشا اقتصاديا على النقيض من جاراتها في القارة، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن العام 2020 شهد نموا لافتا مدعوما بالأداء الجيد لقطاعات النفط والمنجنيز والخشب، الأمر الذي أدى إلى تحقيق فوائض مالية وانخفاض نسبة الدين العام في الناتج المحلي.

ما يحدث في العديد من الدول الأفريقية، يعيدنا إلى 30 أغسطس 2017 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه الشهير أمام نحو 200 سفير فرنسي في الخارج عن إنشاء مجلس رئاسي لأفريقيا يتشكل من فرنسيين وأفريقيين مزدوجي الجنسية كبديل عن خلية الإليزيه رمز العلاقة المشبوهة بين فرنسا الاستعمارية والتركيبة السياسية المعقدة في القارة الأفريقية.

في ذات الخطاب، سعى ماكرون للتخلص من إرث أسلافه من رؤساء الجمهورية الخامسة، وذلك بإشارته إلى أن أفريقيا ليست قارة المهاجرين والأزمات بل هي قارة المستقبل، وذهب بعيدا في حديثه بتأكيده أن مستقبل العالم يصنع إلى حد كبير في أفريقيا.

بعد ست سنوات بالتمام والكمال، يجد ماكرون نفسه أمام تحد صعب في الغابون التي تختلف عن جاراتها، حيث تعتبر الوجه المضيء للمشروع الفرنسي في القارة، فهي عملاق النفط جنوب الصحراء، وهي بالذات من اختار العملاق الصيني رفع مستوى علاقاته معها قبل أربعة أشهر إلى مستوى شراكة التعاون الاستراتيجي الشامل.

هذا الأمر تحديدا، قاد العديد من المحللين الفرنسيين إلى اعتبار أن الرئيس بونغو الابن الذي قضى على انقلاب عام 2019 خلال ساعات قليلة، يختلف عن والده الذي حمل بلاده وقبلها فرنسا التزاما أثبتت الأيام صعوبة الوفاء به من الجانبين، وذلك عندما أطلق كلمته الخالدة (للغابونيين وطنا هو الغابون، وصديقا هو فرنسا).

ففرنسا اليوم لم تعد تمتلك الكثير من النفوذ في القارة السمراء، ولم يبق أمامها على الطاولة سوى تلك الثلاثية الرمزية المتمثلة في الذاكرة والثقافة واللغة، وهي أوراق بالية في عالم الأقوياء، ناهيك عن أن مجرد ذكر هذا الثالوث كفيل بمنح دعاة الدولة الوطنية في ذلك الجزء الحيوي من العالم مدية إضافية لقطع كافة حبال الوصل مع ذلك الماضي.

UnitedAdel@