شاهر النهاري

حساسية الكتابة حول سياسات الدول العربية

الاثنين - 11 سبتمبر 2023

Mon - 11 Sep 2023

«رزق الله على أيام زمان» حين كنا نتناول شؤون الدول العربية بأريحية أقلامنا، وكأننا نتكلم عن بيوتنا الخاصة، نُنَظِر، ننتقد، ننصح، نحاول تحسين الصور المهزوزة، نتدخل في شؤونها السياسية بشعور أنها أوطاننا، وأن أمورها تعنينا بقدر ما تسعدنا جماليات ما يحدث فيها.

لم يكن هذا خياليا، ولا إنشائيا ضمن حصة تعبير، يا من لم تعودوا تعرفوا إلا التراشق القاتل على مواقع التواصل، فهذا كان واقعا يعيشه المثقف العربي دون حرج، ودون خشية كلمة هنا أو هناك، قد تقود الكاتب إلى القوائم السوداء، عند الاقتراب من سياج دولة انتقدها.

تكهربت الأحوال، وتعرت الأسلاك، وأصبحت قضايا دولنا العربية خصوصيات تنذر بالالتماس القاتل.

من ينظر لعموم الدول العربية قبل عقدين ويقارنها بما هي عليه اليوم، سينفث الأسى قيحا ويتعب قلبه، وتدمع عينه، وربما يرمي بالقلم، إلى أسطر أبعد من الوعي.
هل كانت كل الدول العربية في حال أفضل منها اليوم؟

بالطبع لا، فلا شك أن بعض دولنا العربية كانت أسوأ حالا عنها اليوم، ولكن لو نظرنا للعموم، وخصوصا من نواحي العلاقات البينية، وقدرة المواطن العربي على زيارة معظم تلك الدول، فمن المؤكد أن الأحوال قد تغيرت، وأن أكثرها أصبحت متحوصلة، أو منقسمة على ذاتها، أو ملتهب داخلها بالميليشيات والدخلاء، أو متردية في حياة شعبها، وقريبة من الإفلاس أو مهددة بالإرهاب، من داخلها وخارجها، لضعفها أمام مؤامرات عالمية وإقليمية، ما يجعل مجرد التفكير بزيارتها خطوات على أعراف جهنم.

صحيح أن بعض دولنا العربية انشغلت في سباق تلميع الشوارع وناطحات السحاب، ولكن ذلك غالبا يخفي مناطحة فساد تشعر الشعوب بالخوف ووقتية الشعارات، وتسويف، ونقص حجم رغيف.

دولنا العربية تمتلك من الثروات والإمكانيات ما يمكن أن يصنع المستحيل، ويتحدى اختلالات توازن العالم، وحفظ حقوق الإنسان، الممتهنة في أكثر دولنا اليوم، خانقة أي بصيص أمل يبرق في الأفق.

قد تكون علاقات دولنا العربية الدبلوماسية والاقتصادية في ظاهرها سمن على عسل، ولكن من تحت فوحان سمنها تختبئ براكين عنصرية وتنافس وغيرة، وخوف يضاعف الكيد، ويوظف العنصرية، ويستغل تنوع العقيدة ويسخر الجماعات الدينية، لشحن العقول الفارغة بالفردانية والإرهاب وأحلام انتظار الغائبين لتسيير دفة البلدان إلى سافل سافلين، ونهج تحريم الحرية والسلام وحقوق الإنسان، واستفزاز محاولات تكسير الأطواق، والهروب إلى الشمال الكافر، ولو بحلم نجاة ضئيل، وسط الصحاري والجبال والأودية والبحار، ومواجهة عوامل الخوف، وتخطي الحدود، من ضيق واقع، إلى غيب مجهول.

عدد الدول العربية في الليمون، وكم من دولة نسيت كيانها وطموحها القديم، وأصبحت رهينة لغيرها، وكم من ثروات كامنة يتمتع بها الغرب والشرق وهي محرمة على مواطنيها، ولكل محتال مختبئ بين المؤامرات حصة، وخطط وطنية ظاهرها صالح الوطن والمواطن لم تعد أولوية ولا أهمية، بين من يخطفون الجمرة، من بين أصابع اللهب، ثم يهربون للمدى، بمليارات سحت يموت دونها الكثير، ويحوزها كل من أجاد تمثيل أدوار الوطنية، وشكك وخان وأذكى العداء، وكذب، وجعل أقلامنا، التي تدرك الحقائق محابر وعي خرساء، بحكم حرج السياسة، وأغراضها الملتوية، وتقنية تبادل المعلومات، بدواعي حفظ العلاقات العربية المريضة من علاج النقد.

shaheralnahari@