علي المطوع

استزراع المواهب الإشرافية

الأحد - 10 سبتمبر 2023

Sun - 10 Sep 2023

إذا كان الاستزراع المائي يتم وفق قواعد مهنية وعلمية محددة ليتم إنتاج أنواع من الأحياء المائية ذات جودة عالية ومواصفات خاصة تنعكس إيجابا على الإنسان، فما المانع أن نمضي في مشروع إداري يستهدف تطوير مديرين على كفاءة عالية من القدرة والأهلية والجدارة؟

الصورة النمطية لتعيين المديرين في أغلب قطاعاتنا، تبدأ من خلال قناعة وصفة إيجابية يراها المدير الأعلى في موظف ما؛ (قد) يتوسم فيه النجاح، (وقد) هنا تختزل وتختزن الكثير من المميزات ومثلها من المثالب، والأخيرة هي من تفاجئنا بأشخاص غير قادرين على العمل الإداري وتحمل مسؤولياته.

الإدارة قبل أن تكون مهام عمل هي دراية ودربة على استخدام الصلاحيات، وفق منهجية محددة تسمح بزيادة الإنتاجية وتضمن نوعا من العدل والمساواة بين جميع الموظفين، وهذا يتمثل في الاستعداد الشخصي والنفسي للمدير المرشح للتعامل مع نفسيات مختلفة من العاملين، وهذا يتطلب خصوصية في التعامل مع بعض الفئات كون النفسيات لدى العاملين تختلف وتتمايز تبعا للتنوع في طبيعة الأعمال وتعدد الشخصيات ويتطلب أيضا مجموعة من المفاهيم والإجراءات، ومنها:

1 - البعد النفسي وحالة السواء، تعدان مهمة وركيزة أولى في اختيار المديرين، وقد يتم تحقيق هذا الأمر من خلال اختبارات نفسية دقيقة، تعكس مدى سلامة هذا المرشح أو ذاك ليصبح مديرا لهذا القسم وذاك القطاع، فالملاحظ أن المعتل نفسيا عندما يصبح في موقع المسؤولية، فإنه يصبح طاغية في صورة مدير، بمعنى أنه يمارس أعمالا قمعية مريبة تتستر بالنظام أحيانا، ويعريها الحمق أحيانا أخرى، كون هذه الممارسات مفضوحة وظاهرة للعيان في نواياها المغرضة ونتائجها السلبية، هذه الاختبارات أو الإجراءات - سمها ما شئت - تضمن للمرفق ومسؤوليه اختيار عناصر ذات سواء نفسي مرتفع، تستطيع العمل مع المجموعات المختلفة من الموظفين وتستطيع كذلك المواءمة بين متطلبات العمل وظروف العاملين المختلفة وظروف العمل التي تتغير بتغير متطلباتها وظروفها وشخوصها المختلفين.

2 - كل منصب إداري إشرافي لا بد له من مسوغات على مستوى الخبرة الوظيفية، فلا يوضع موظف حديث عهد بالتجربة مسؤولا إداريا دون أن يمر بمرحلة من التدرج المهني في المرفق، تضمن له الحد الأدنى من الإلمام بطبيعة العمل وأشخاصه وظروفه.
بعض الرؤساء يتوسم في شاب صغير حديث التجربة خيرا ثم يرمي به في أتون العمل وإشكالاته وأشكاله المختلفة، والنتيجة تكون في الغالب أخطاء كارثية قد تصيب المرفق بحالة من الشلل الدائم أو المؤقت.

3 - عملية التدوير في البيئات الوظيفية مهمة جدا وفق منهجية واضحة تضمن لهؤلاء المرشحين في هذا المرفق الإلمام الجزئي بمتطلبات العمل المختلفة، وطبيعة كل مهمة وما تحتاجه من خبرات وقدرات ومعارف تضمن لهم الإحاطة بالمشاكل المختلفة، والقدرة على إيجاد الحلول المناسبة لكل معضلة تستوجب حلحلة إدارية تنظيمية تفضي إلى حل مناسب يضمن استمرار نجاحات العمل وعدم تعطل مصالح الجهات الأخرى.

4 - إعادة قراءة خارطة الهياكل التنظيمية في هذه الإدارات وتطويرها وتحديثها دوريا بما يضمن انسيابية التعليمات والتوجيهات وسلاستها ضمن سلسلة الأوامر التي تحكم التراتبية والعلاقات بين العاملين وما تقتضيه حالات التوجيه والتحكم والإشراف.

هناك صور لبعض المديرين الذين يمارسون العمل ذاته لسنوات طويلة ويصبحون في أماكنهم رموزا للروتين والرتابة، كونهم لا يجدون جديدا يقدمونه للمرفق، ولا يمكنهم التنازل عن مواقعهم الإدارية التي ما زالوا يشغلونها منذ زمن طويل، هؤلاء الديناصورات يمارسون حربا خفية وغير معلنة على كل كفاءة تريد شق طريقها نحو التميز في هذه البيئات، والشواهد كثيرة ومنها أن يستعمر أحدهم موقعا إداريا كمدير لمدة تتجاوز 15 عاما وعندما تطرح مقولة ليس في البلد إلا هذا الولد، تفاجأ برد صادم مفاده لا يوجد له بديل!.

نخلص من هذا؛ أنه يجب أن يكون في كل بيئة عملية نظام محدد لكيفية الاعتماد على بعض الأسماء في الوظائف الإشرافية، تعتمد أولا على النواحي النفسية والقدرات الشخصية وصور الإبداع المختلفة التي يمكن تلمسها في هذا المرشح أو ذاك، أما أن يكون جل هؤلاء الرؤساء والمديرين صورا كربونية مكررة، فهذا فيه ضياع للجهود ومضيعة للوقت وقتل للمواهب التي تبحث عن فرصة بين هؤلاء (الأحافير) الذين ما عادت قواهم العقلية ولا صحتهم الجسدية تسمح لهم بإحداث فارق تنظيمي وإنتاجي ينعكس إيجابا على المرفق الذي يعملون فيه وعلى الموظف والمجتمع وإنسانه.