علي المطوع

وعند «إجادة» الخبر الحزين

الأحد - 27 أغسطس 2023

Sun - 27 Aug 2023

ما تزال إجادة كحراك وممارسة تستأثر بهامش كبير من نقاشات المستثمرين، وخاصة الصغار منهم، كونها تنظيما في ظاهره الوصول بالجودة إلى معايير دقيقة وصحيحة، وفي داخله كثير من علامات التعجب والاستفهام.

دعونا قبل أن نسبر غور هذه المبادرة أن نذكركم بمعنى الجودة، والذي من اسمها اشتق اسم المبادرة، ففي جانبها اللغوي تعني الإتقان، فنقول فلان أجاد في عمله، وأجاد الطريقة والوسيلة، والجودة بمعناها الاصطلاحي فعل الشيء الصحيح في أقصر فترة زمنية بإتقان عال ومواصفات أعلى.

ما علاقة ذلك بتنظيم إجادة؟ العلاقة واضحة فمن المسمى؛ المبادرة تعني ضبط نشاطات المنشآت المختلفة وجعلها تسير في مدارات صحيحة من الجودة والإتقان، بهدف الوصول إلى الغايات الأهم، وهي تقديم خدمات للمستفيدين وفق الضوابط البلدية واشتراطاتها المختلفة، هذا الأمر لا اختلاف عليه بل هو المطلب الأهم الذي ينبغي الوصول إليه.

ولكن الواقع بشيء مختلف مفاده أن هذه المبادرة قد أصبحت حادة في تطبيقاتها، وأصبح قياس مصدر نجاحها وتأثيرها هو حجم المخالفات التي تسجل على هذا المنشآت وتغريمها بغرامات مازال صانع القرار البلدي يرى أنها الطريقة المثلى لضبط مناشط هذه المؤسسات، بيد أن التجربة أثبتت أن تسجيل علامة كاملة في تغريم المنشأة المخالفة لا يعني نجاح المبادرة أو النظام في استدامة وتطوير خدمات جيدة تصل في مستواها وجودتها إلى رضا المستفيد، ما يحصل هو أن هذه المنشآت وتحت وطأة تأثير ضربات وغارات هذه المبادرة ورجالها أصبحت مشلولة تعاني من شلل تام جراء تعاقب الغرامات المفروضة عليها وهو ما جعل ملاكها ينسحبون من سوق العمل مخلفين وراءهم مشاعر مهزومة وتجارب مأساوية وخسائر مادية كبيرة جدا لا يستطيعون تعويضها بسهولة، كل ذلك ينعكس سلبا على المجتمع كون أفراد هذه المؤسسات سينتقلون من حالة البطالة سابقا إلى مفاهيم مجتمعية أكثر إيلاما، كون خدماتهم قد تتعرض للإيقاف ومصالحهم للتعثر فيصبحون أفرادا مهددين بالسجن والإيقاف وهنا مكمن الألم الذي يعيشه هؤلاء المستثمرون الصغار، ناهيك عن خسارة الاقتصاد المحلي لكثير من الفرص الاستثمارية الصغيرة والواعدة التي تعد بالمفهوم الاقتصادي رافدا يردف الاقتصاد المحلي ويزيد من فاعلية أفراده وتماهيهم وانسجامهم مع سوق العمل ومتطلباته ومتغيراته السائدة.

إن إجادة كمبادرة بلدية تعتبر من أنجح المبادرات شكلا ومضمونا، ولكن تطبيقها بهذه الصرامة يفقد السوق ومستثمريه الصغار فاعليتهم فيصبحون في عداد المتعثرين اقتصاديا واجتماعيا، وهنا تفقد هذه المبادرة أهم متطلباتها وهو بقاء السوق ومن يمثله في حالة تسمح لهم بالتحسن الدائم والمضطرد، وليس الاضطهاد الذي يخرجهم من السوق محملين بأغلال الديون والمساءلات التجارية وربما القضائية المختلفة.

هنا لا بد للجهات ذات العلاقة إعادة النظر في هذه المبادرة أو في طرائق تطبيقها ومحاولة تحسين تجاربها ومن يمثلها بحيث يكون الهدف هو تحسين عمل هذه المؤسسات الاستثمارية والعاملين عليها وليس إخراجهم من السوق ليصبحوا بعد كل هذا الجهد والنصب أثرا بعد عين.

alaseery2@