خالد العويجان

السعودية الجديدة ونزوة الأثرياء

الخميس - 24 أغسطس 2023

Thu - 24 Aug 2023

السياسة دول يقود واجهتها أشخاص.. هذا صحيح، وهم محكومون بالمساحة والوقت.

الثانية في قواميس السياسيين، قد يكون لها تفسيرات خاصة.

يمكن أن تفتح ألف باب وباب، لا يمكن أن تطرأ على مخيلة الإنسان البسيط، مثلي، ومثلك صديقي القارئ.

والسياسيون حركاتهم وسكناتهم محسوبة.

الملوك والزعماء أكثر المحاصرين في هذا العالم الفسيح؛ بالسياسة وما يرتبط فيها.

والسياسة مصالح، وقوة وأرقام، وثقل ومجتمعات، وحتى ثقافات، وأغنية وموسيقى، وقوى متنوعة؛ وتاريخ وموروث، بل وحتى أزياء، ووجوه جميلة، حتى النصر والهلال، وكرة القدم كذلك، أي «سياسة».

وحتى لا يغضب الرياضيون، وهم لديهم حساباتهم الخاصة، فقد كتبت في السطر السابق النصر قبل الهلال دون قصد يرتبط بمن يفترض أن يكون قبل الثاني، لسبب واحد فقط، لأني أهلاوي استعدت بعضا من الأنفاس مؤخرا، وهذا ليس موضوعي؛ حتى لا أتشعب في الرياضة التي لا أفهم منها أكثر من توظيفها في السياسة. المهم أنني سأختار من كل ما سبق مفردة «قوى»، لأبحر في قضيتي هذا الأسبوع.

فالقوى أشكال، وصور، وأصناف، ودوائر عريضة، منها ما يمكن أن يؤدي دورا سياسيا، وهو لا يرتبط بها لا من قريب ولا من بعيد، ولدي في ذلك أسبابي ومبرراتي التي سأتطرق لها مباشرة.

فما أوردته صحيفة «الغارديان» البريطانية ذائعة الصيت الأسبوع المنصرم، عن السعودية، واختارت زاوية «الرياضة»، أثار بداخلي عديدا من التساؤلات، حول كيفية تحول تفهم الغرب، لخطوات السعودية الجديدة.

قالت الصحيفة بعد أن استقطبت الرياضة السعودية أبرز النجوم العالميين، أن ذلك «ليس فقاعة. الحقيقة أن الاستثمار السعودي مذهل في الرياضة».

ووصفت الصحيفة وقتها أن التحركات السعودية بـ»واسعة النطاق للغاية».

وقالت إن استراتيجية المملكة في الرياضة «طموحة بقدر ماهي مثيرة للجدل. إنها ليست مجرد نزوة أثرياء.

لقد تم التخطيط لذلك.

إنه نهج حقيقي لما يمكن أن تفعله الرياضة لتغيير الشعوب».

الحديث في حقيقة الأمر مبهج، لكن ما يهمني في هذا الصدد؛ هو تغير النظرة الغربية لهذا الوطن العظيم، وحتى إن كانت لم ولن تعني لنا كسعوديين - أقصد نظرتهم -، إلا أن ذلك من باب المكاسب، هو أمر إيجابي، هذا أولا.

ثانيا، وهذا أكثر أهمية؛ هو ملامسة حدود الإيقان الغربي بتجاوز السعودية حدود التفكير التقليدي الغربي.

وأقول تقليدي لأنه كذلك، والأدلة كثر، أبرزها، التخلف المخفي في دولهم، والمنطقية والأحادية في شتى مجالات الحياة، يضاف إليها النرجسية الزائفة التي تنقص حتى من احترام الإنسان خارج نطاقهم الاجتماعي.

المهم، أنه في السياسة الوصول للعالم الآخر والشعوب الأخرى، أمر مستحب، على الأقل من حيث التسويق، لدولة ارتدت لباسا جديدا، وتحول وجهها إلى شبابي متطلع، وهذا حق مشروع لها، في وسط سباق محموم بدأته كثير من الدول قبلنا. هذا من ناحية.

ومن أخرى، فإن سمعة الدول تؤدي إلى كثير من الفوائد، حتى من النواحي الاقتصادية، والسياحية، والأهم اكتشاف المجتمع، لا سيما إن كان كالمجتمع السعودي، ذي التركيبة المرتبطة بالإرث التاريخي، والمتطلعة للمستقبل.

زرت أوروبا كثيرا، ووجدت في وقتها شحا كبيرا في المعلومات تجاه المملكة، وهذا ما قد يكون أنتج نظرة كلية للغرب عنها، من ناحية ربطها بالنفط بشكل منفرد.

كانت الإجابات جلها لمن يمكن أن يعرف المملكة إذا سألني أحدهم من أين أنت؛ يقال نفط، وصحراء؛ وأحيانا جمل.

وعلى هذا الأساس، أتصور أن لجوء الدولة من خلال صندوق الاستثمارات العامة – حتى وإن لم يكن ظاهرا في الصورة في بعض الصفقات العالمية – كان هدفه الأساس هو لفت النظر لدولة ذات إمكانات أولها الإنسان، ولا تقتصر على النفط والصحراء والجمل، وإن كنا نعتز بهذا الموروث العظيم.

أعتقد أن التحولات في قطاع الرياضة التي شهدتها المملكة مؤخرا، كان لها الأثر الكبير في استقطاب كثير من أعين الشعوب إلى المملكة، لتؤدي الرياضة ما لم تستطع كثير من الأفكار تأديته، والوصول إلى نتائج ملموسة على المدى المتوسط والقريب.

إن النظرة التي أصبحت تتلقاها السعودية خلال الفترة الأخيرة، باتت تأتي من منظور متوازن - أقصد نظرة الآخر للمملكة -، وليست كما كانت من منطلق علوي، تحكمه أنفة الغرب استنادا على فوقية يحكمها كثير من التعالي الذي يرتكز على الاستنقاص، وهذا بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة تعنى بالتسويق للدولة في الخارج.

سأنتهي للقول؛ «إن كريستانو رونالدو وجلبه للرياضة السعودية «سياسة»، وبنزيما «سياسة»، ونيمار «سياسة»، وغيرهم كثير.

بدليل الأرقام التي باتت تشاهد الدوري السعودي، إنها أعلى سقفا في «الذكاء السياسي»؛ على الأقل لفهمنا كما نحن، ولتبديد فكرة «نزوة الأثرياء».

والسلام.