عبدالخالق المحمد

سرطان الشهرة

الأربعاء - 23 أغسطس 2023

Wed - 23 Aug 2023

إن النفس البشرية تمرض وتعرض لها العوارض، فتخرج من كونها آمنة مطمئنة إلى مريضة معتلة، ومن أشد ما أصيبت به نفوس أغلب الناس اليوم هو حب الشهرة وديمومة الظهور.

لقد غدت نفوس المعظم متشوفة إلى تصدر الوسائل المختلفة وبدون أي قيمة تذكر، والأشد من ينشر انحلاله وسوء أخلاقه، والأنكى من ذلك عدم التشديد على هذا الغثاء الذي غدت تفرزه قيوح برامج التواصل الاجتماعي.

إن هذا الأمر إذا دبّ في النفس عاث فيها فسادا وانتشر انتشار السرطان في الجسد، وأول ما ينزع عن المرء حياءه مرورا بسمعته وانتهاء بدينه.

لقد تجلت أمام أعيننا (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، لقد شوهت صورة الشاب المتعلم المثقف الذي حاولت الآلة الإعلامية الوطنية بناء صورته لعقود، وأحتقر الشيب بعد أن كان رمزا للوقار، وما عاد يزجر أهله عن صغائر الأمور وأراذلها، والنساء المصدرات في هذه الوسائل هن نائحات الموضات المستأجرات، إما نسوية حمقاء أو متعرية جرداء أو عجوز شمطاء، فاتها زمن اللهو والشباب فغدت تزين للفتيات التمرد بدعوى براقة هي القوة والاستقلال والحرية التي هي نهايتها عبودية لشهوات النفس التي ما تلبث أن تخبو مع التقدم في السن ويعقبها ندم وحسرة.

ومن المرارة التي تصيب النفس هو تغير آمال وأحلام أغلب الأطفال اليوم عن الأجيال الماضية، حيث كانت أحلامهم أن يكون طبيبا أو مهندسا أو مخترعا أو عالما أو معلما، حيث كان المجتمع والإعلام صحيح البوصلة يعظم القامات ويقدر المكانات.

واليوم حلمه أن يكون مشهورا مثل فلان وفلانة، وما سبب شهرتهم بنافع بل هي لهو ولعب وضياع حقيقي للأوقات التي تستغل من المجتمعات التي تريد الرقي في بناء أبناء وبنات مجتمعهم.

إن هذه المليارات التي تنفق على التعليم ومقرراته ما هي إلا سحائب صيف أمام ما تقرره برامج التواصل الاجتماعي في نفوس الأطفال والشباب إذ هي تأتي في صورة معروضة شيقة له، مع ما توافق في النفس من حب اللهو والراحة، وما تنتجه من هرمونات معززة للذة والإدمان كالدوبامين المبتذل.

فينشأ الطفل والشاب والفتاة ويرسخ فيه أن صورة النجاح هي في الشهرة الملوثة، فهي سهلة المنال مع ما توفره من مادة ومكانة اجتماعية، فيقارنها مع ما يتعلمه من وجوب بذل الجد والاجتهاد وقيمة الأخلاق والعلم والتي تتطلب صبرا وبذلا كبيرا.

وليعلم من ترك أبناءه يطيشون في برامج التواصل الاجتماعي مع هواتفهم أنه غاش لرعيته غاش لرعيته غاش لرعيته.

ولا يغيب عني أن هذا الداء أيضا قد أصاب جملة من المتدينين وحملة العلم الشرعي والقراء، في صور ممجوجة لا تليق بالدين، فتجد من ينشر ويظهر بشذوذات الفتاوى وأقوال العلماء، ومنهم من يطيل الجدال والردود في الأبحاث والكتب العلمية الشرعية بدعوى الانتصار للدين وماهوى إلا هوى في النفس وحب للشهرة والظهور والتصدر، ومنها تكلفات القراء وتصوير الصلوات والعبادات التي في أولها إرادة للخير وعاقبتها شهوة في النفس تطمح للمزيد من المعجبين والمحبين، مع أن طلب الشهرة بالدين هو من أشد ما توعدت عليه الشريعة بالعقاب فجعلت من أول من تسعر بهم النار هم من أراد الشهرة بالعلم الشرعي وقراءة القرآن.

حيث إنه إن كان في الدنيا يختبىء خلف حجب النوايا وإحسان الظن ونصرة الدين ففي الآخرة يقال له كذبت إنما تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارىء.