بسمة السيوفي

التجربة الكتابية للمرأة السعودية

الأربعاء - 23 أغسطس 2023

Wed - 23 Aug 2023

بدأت الكتابة منذ المرحلة الثانوية، خربشات لكنها أسلوب للتعبير عن الذات وقول ما يصعب قوله وجها لوجه، كنت أوزع الأوراق المكتوبة نثرا على صديقاتي وحتى أساتذتي كصكوك استثمار في العلاقات، وككل البدايات المتواضعة التي تتكشف عند النضج والوعي.. أقرأ ما كتبت الآن فأنزوي في أركان النزوات. كان النشر في الصحف أو طباعة الكتب داخل المملكة أو خارجها نضال مجيد مررت بمراحله المختلفة لإقناع المحتكر للرأي بأحقية أي قلم يكتب سواء كان ذكرا أم أنثى، وأن الخلل يكمن في النظرة إلى الإمكانات ومحاصرة التدفق وعدم منح الفرص لمشاركة التجربة الكتابية ونضوجها.

كنت أخوض في عمق الأمور، وأبتعد عن تأنيث اللغة بالوردية، فما كانت الكتابة لتكمل أنوثة الأنثى، وليست محاولات لإثبات ما لا يثبت، ومع وجود ذاك الهاجس الذي يصرخ بأن ما أكتبه لن يقرأ، وربما سيمزق قبل أن يقرأ.. كنت أبتعد عن اللاملامح في ظل ثقافة ترحب أكثر بنشر كتب عن الجن والأرواح والطبخ.. وتعيش ازدواجية أن «المجتمع يحترم المرأة الصامتة.. ويحتقر من يعلو صوتها»... والكتابة صوت.

كنت وقتها لا أهرب من أنوثتي.. ويفاجئ الذي يسألني بأنني لست من اليائسات للحصول على رجل، بل متزوجة ولدي أبناء.. منشطرة بين الأمومة والكتابة.. ومحظوظة بالدعم والتشجيع. وحتى يعترف بك ككاتب فإنه يتم تصنيفك وتنميطك وفق جنوستك ووفق حالتك الاجتماعية. تجاوزت هذا كله.. فكتبت لعبد الله الجفري أستنير برأيه فكان كالأخ الأكبر.. وكتبت لغازي القصيبي فرد علي ممتنا بخطاب من لندن.. تحاورت مع د. خيرية السقاف ود. فاتنة شاكر فكانت دروب التواصل ممتنة.. وتبخترت مع ألق القلم في مقالات اجتماعية وأدبية وسياسية بقلم الجوهرة العنقري وفوزية أبو خالد ووفاء الرشيد.. هناك شخصيات تزرع فيك حقولا خضراء تدل عليك عندما ترحل.. خاصة وأنك تعرف أنك هنا لفترة وجيزة.

لذلك ينبغي أن نعتبر هذه المرحلة من الزمن المرحلة الذهبية للكتابة بالنسبة للنساء.. ففي مقال يحلل التجربة النسائية في الكتابة لصحيفة الجارديان.. تمت الإشارة إلى أن المرأة عندما تكتب في أي مجال وفي أي جزء من العالم، فإنها تفعل ذلك وفق رؤية محددة.. وبشجاعة، من خلال وجهة نظر تختلف عن الرجال.. دون أن تتنازل عن العاطفة التي تجعل التجربة الكتابية ذكية ومميزة. وتشكل النساء حوالي 80% من الذين يشترون الروايات والقصص في العالم.. لذلك فإن النساء تحب شراء الكتب التي تكتبها النساء.

وقد تطور القلم الذي تكتب به المرأة في ظل وجود عقليات تحكم على المنتج الإبداعي بناء على جنس الكاتب.. عقليات لم يتم التخلص منها حتى الآن في كل المجتمعات.. المرأة تكتب لتتجاوز الهم الذاتي والهم الجمعي.. متناولة المسكوت عنه.. تنتقد لتجسد الواقع أو تستشرف القادم، وقد تتنوع أساليبها بين الجرأة في التناول أو الطرق المهذب على الوجع، عبر مختلف أساليب الكتابة. الكتابة بالنسبة للمرأة كالإنجاب يسمح بولادة مساحات جديدة تتيح التنفس دون الوصاية.. ودون التفيؤ بظل الآخرين. الكتابة دعوة للالتئام عبر زرع الحدائق بقلم.. وصب العسل في جرح غائر بعد أن نفذت كل الذرائع لتهدئة ما بداخلك.

ودعونا بعد هذه المقدمة نتساءل: هل هناك احتفاء حقيقي بالتجربة الكتابية للمرأة في السعودية؟ خاصة وأن هناك اتهامات بوجود نوع من المبالغة في الاحتفاء بالروايات النسائية السعودية خلال الأعوام الماضية، فكان التعاطي مع النتاج الروائي لا يمثل التقييم الصادق للمنتج الإبداعي، وإنما يعكس نظرة ذكورية للنقاد والمجتمع؛ لذا لم يكن الاحتفاء حقيقيا بجماليات النص والبناء الفني بقدر ما كان احتفاء أعرج بجرأة النص الروائي وقدرته على اختراق التابوهات.. وكشف المسكوت عنه لدى مجتمع مغلق.

لذا كان من البديهي في المرحلة المقبلة ومن أجل ازدهار إنتاج النص الإبداعي النسوي اضطلاع وزارة الثقافة بالدور الأكبر؛ لأنه بالرغم من المبادرات العديدة التي تطلقها لتنمية المهارات مثل مبادرة أدب العزلة؛ فإنه لا يلاحظ وجود مبادرات لدعم الكتابة للنساء. وأتساءل: هل يوجد لدى الوزارة مرصد معلومات بأسماء كافة الكاتبات السعوديات؟ هل يتتبعهم ويتواصل معهم أحد؟ كم تبلغ نسبة مشاركة المثقفات والأديبات في النوادي الأدبية ومعارض الكتب والمحافل الدولية؟ هل تتم المشاركة في الفعاليات بناء على الإسهامات الفعلية أم بناء على العلاقات مع الوسط الثقافي؟ ولماذا تتكرر نفس الأسماء والوجوه في المحافل والمناشط المحلية والدولية؟ هل لدى وزارة الثقافة خطة استراتيجية لاستكتاب واستقطاب المزيد من الكاتبات لإثراء المحتوى الأدبي السعودي؟ لماذا لا ترصد الروايات السعودية.. ويتحول المناسب منها لنص درامي يسهم في تطوير صناعة السينما أو المسرح؟ لا بد للعالم أن يرى المملكة من وجهة نظر أنثوية حقيقية تعبر عن هذه الفترة الذهبية.. لأنه في ظل هذا التنامي العالمي والاهتمام بصناعة المحتوى الأدبي العربي وحتى ترجمته.. لا بد أن يتعاظم حجم مشاركة الكاتبات السعوديات وأن يكون لهن دور بارز في المنتج الأدبي والثقافي.

هي دعوة لدعم نضوج التجربة الكتابية بجميع صورها الإبداعية من قبل الجهات المسؤولة.. «رواية، شعر، مقال، قصص قصيرة، مسرحيات، ملاحم، سيناريوهات».. إلى آخره.. بطريقة تعزز تواجد المرأة الحقيقي في المجتمع وشراكتها المؤثرة، وليس عبر تبعية مضللة تشوه تواجدها، أو تكرس لصور عدم مشاركتها المشرفة في الحياة العامة.عليه أترك للكتاب من الرجال الذود عن حياضهم.. ولننتظر مبادرات وزارات الثقافة والإعلام وأيضا هيئة الترفيه.. وإلا فستبقى كل القصص تمجد الصياد.

smileofswords@