«باربي» الجديدة!

كصغيرات في عالم حالم بمستقبل مزهر كانت من أمنياتنا الجميلة أن تأتينا هدايا باربي ممن حولنا أو يشتريها لنا أهلونا في الأعياد ومناسبات النجاح، فنعيش معها قصة جميلة كرفيقة لحديث الخيال الواسع، أو ممارسة مشروع خياطة ملابس صغيرة تكون فيه هي «المودل»، أو القيام بدور الكوافيرة بتسريح شعرها وغيرها مما يصلح لمخيلة فتيات صغيرات أن تعملنه برفقة «باربي» حتى أفلامها كانت كنوع من الخيال الجميل والمتعة البصرية المنتظرة لجيل كامل من صغيرات الأمس.

وحتى ذلك الحين الذي ربما مرر منتجوها بعض الرسائل السلبية المشفرة من خلالها أو بعض مطبوعاتها وقصصها، إلا أن المحيط الأسري والمدرسي والحياة الاجتماعية بشكل عام كانت تفرض نفسها خاصة بمحدودية التواصل والانفتاح على العالم بخلاف اليوم الذي اجتاحته وسائل التواصل حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من نمط الحياة المعاصرة للكبار والصغار.

وفي الوقت الراهن تتشاطر معنا صغيرات اليوم ذات الأحلام الجميلة التي كانت لنا مع باربي، ولكن مع باربي الجديدة التي تحاكي عصرهن بكل تفاصيله بل وامتيازات شكلية متعددة لم تكن تعرف في جيلنا!، فهي اليوم أكثر تنوعا من ناحية تعدد المظهر فهناك باربي الرشيقة وأخرى العادية، وثالثة سمراء، ورابعة مقعدة، وخامسة محجبة وغيرها مما يناسب رغبات الفتيات وهذه نقطة تحسب لمصنعيها، عدا ما يحاكي كارثة الألوان الستة، والتي لا نشاهدها -بحمد الله- في السوق العربي.

ومما يلاحظه الكثير أن باربي اليوم باتت تحمل معها رسائل وأجندات مباشرة وليست بالخفية، خاصة عبر المحتوى الجديد الرائج (فيلم باربي)، وهي أفكار وأجندات توضع تحتها العديد من علامات الاستفهام، كما تضع الأهالي بين خيار المنع التام لمشاهدة الفيلم، أو السماح مع التوعية، أو السماح بمشاهدته مع جهل بالمعروض وعن مدى أبعاده الخطرة على فكر الصغار (بنات وأولاد) على حد سواء، فإن كان هناك باربي فهناك «كين» الذي لا يعرف دوره المطلوب منه في الفيلم بخلاف دوره القديم الذي عرفناه كزوج أو أب في مجتمعنا على الأقل.

وباستعراض لملخص فيلم باربي والنظر في ردود الأفعال حوله (كمحتوى) من منتقدين وأهال عرب وأجانب تبين لي مدى امتعاض الكثير من الرسائل الموجهة للأطفال من خلاله.

فما ذنب الأطفال عندما يشعرون أن الحياة بين المرأة والرجل يجب أن تسير في خطين لا يلتقيان، وإخراجهما من علاقة تكاملية لأخرى تنافسية ترى المرأة أنه من المعيب في حقها أن تكون معتمدة على الرجل، بل وتصويره بالسطحي والتافهة وأن علاقته بالمرأة محصورة بإطار واحد تقريبا!

إن الفكر النسوي اليوم يقوم بجهد غير منقطع، وباقتحام كل وسيلة ممكنة، يمررون من خلالها أفكارهم حتى وإن كانت وسائل ترفيه للصغار كفيلم باربي، وهذا ناتج من درايتهم بأهمية غرس مثل هذه الأفكار لدى الأطفال منذ وقت مبكر عبر ترويج أفكار مثل: اعتماد المرأة على نفسها فقط (التمركز حول الأنثى)، الندية بين الرجل والمرأة، وإظهار الرجل كعدو لدود للمرأة، الحرية المطلقة في الخيارات الحياتية والعملية والشخصية وحق المساكنة، والإجهاض، والمثلية، التمكين المطلق حتى لوظائف لا تتناسب مع فطرة المرأة وأخرى مؤذية لها، وغيرها من أفكار لم تعد تمرر على استحياء ولكن باتت تمر جهارا بكل الوسائل المناسبة أو غير المناسبة كأفلام الأطفال وبرامجهم وقصصهم ومناهجهم الدراسية في الغرب!.

كوننا جزءا لا يتجزأ من العالم، وذا طبيعة وثقافة مختلفة وأصيلة، يجب أن تؤخذ هذه الخطط الغربية على محمل الجد في (وسائل الإعلام) ويتم مكافحتها عبر فلترتها إن كانت برامج تلفزيونية أو قصصا تباع في المكتبات وأفلاما تعرض للصغار كرتونية أو غيرها.

ومثلها جهود لا تقل أهمية في وزارات التربية ببذل المزيد من الجهود في محاربة هذه الأفكار، وتعميق مفهوم الأسرة وأهميته في الحياة وما ينطوي عليه من ود ووئام وواجبات للفرد وعليه والتي بدورها تخلق عناصر التكامل والاحترام وتعزيز قيم بر الوالدين وصلة الأرحام واحترام الثقافة الدينية والاجتماعية.

إن الأسرة في المجتمع العربي والمسلم لا تخوض حرب إثبات وجود بين أفرادها بقدر ما هي أدوار تكاملية تربوية تصب بالدرجة الأولى لصالح المرأة وحفظها من الضياع وإشعارها أنها جزء من الأسرة يحظى بالعناية والاهتمام منذ الصغر.

DrMerv11@