ريما رباح

المدينة المثالية للأعمال!

الأحد - 20 أغسطس 2023

Sun - 20 Aug 2023

كيف تجعل ريادة الأعمال تعمل لهؤلاء الذين لا يعملون.. خاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يعملون بسبب ريادة الأعمال؟!

القطاع الخاص يواجه اليوم الكثير من التحديات منها ما هو قادم من الاقتصاد العالمي كارتفاع تكلفة القروض والتضخم بسبب ارتفاع الفائدة البنكية بما ينعكس سلبا على القوة الشرائية للمستهلك ويضعف المداخيل ومنها ما هو ناجم عن عوامل محلية كالاندفاع الزائد للشباب دون خبرة ودراية عملية كافية أو توفر دراسة جدوى اقتصادية دقيقة، إلا أن هناك أيضا متغيرات جديدة يراها رواد الأعمال اليوم عائقا للنجاح والاستدامة في حين يرفض وجهة النظر هذه بعض المهتمين بالشأن، مثلا البعض يصنف تسعيرة الرسوم والغرامات كسبب مهم في زيادة الأعباء المالية والضغوط النفسية في إشارة إلى مسؤولية (إجادة) القائمة بمهام عمل الجهات الرقابية في البلديات وهنا تجدر الإشارة أن هذه المبادرة محور مساند للاقتصاد فهي تزيد مستويات التزام أصحاب المنشآت والمحلات التجارية بالاشتراطات المقررة من البلدية لتعزيز مستوى الخدمة والثقة بالخدمات المقدمة بهدف رفع مستوى جودة الحياة وهذا أمر جوهري، وبالمقابل تطرح بعض الأقلام وجهة نظر مناقضة تماما ملقية باللائمة على الشباب وضرورة تحمل الكل لمسؤولية قراراته الخاطئة متبنية بقاء الموقف على ما هو عليه أيا يكن بينما يتخوف آخرون من أن يغدو الاقتطاع من كيكة التاجر أمرا يسيرا لأنه يمثل قيدا على الحافز الفردي خاصة ومستقبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عامة.. (فما هي المعادلة الصحيحة؟).

بادئ ذي بدء وبالتأكيد لا مراء في أهمية تطبيق الغرامات لتحقيق الانضباطية في الهيكل التنظيمي للسوق بما يكفل الامتثال للأنظمة وضمان المصلحة العامة والمطابقة للمعايير العالمية وهذا هو حجر الزاوية كما في غرامات مخالفة معايير النظافة لأجل صحة المجتمع، وعلى التماثل لابد من مراعاة - النسبة والتناسب بين درجة المخالفة ودرجة الأهمية - حتى تكون منطقية وغير مضرة بالأسواق، فمثلا مخالفة تعليق ملصق عن بطاقة ائتمانية ليست في نفس الفئة والأهمية مع مخالفة صلاحية اللحوم؛ فخروج المؤسسات بشكل كبير له تبعات سلبية كانخفاض فرص العمل المتوفرة لأصحاب الأعمال والموظفين على حد سواء وتأثر الاستهلاك والمستوى المعيشي للأسر وتراجع المعنويات وإهدار موارد المؤسسات والمجتمع في القضايا القانونية ولعل من المفيد هنا وجود جهة محايدة للفصل في الخلافات والشكاوى والاعتراضات على اللجان المختصة في وزارة التجارة والبلديات وغيرها.

وفي الطرف الآخر من المهم التأكيد بأن رواد الأعمال لا يعيشون في ترف ضمان الراتب ووظائف المكاتب؛ فالناس الذين لم يخوضوا غمار المواجهة ومشقة تحمل المسؤولية الفردية وتحديات العمل التجاري وكم الضغوط النفسية الهائلة في التعامل مع السوق والبنوك لتدبير الشباب قوت يومه وأسرته وخوفه من الخزي المجتمعي عند التعثر والفشل ليس بوسعهم معرفة حقيقة الميدان وأنفاقه وكواليسه وهمومه.

وفي هذه الزاوية يطرح السؤال (هل حجم هذه القضية مؤثر في المجتمع أم لا؟) تؤكد أرقام الإحصاءات خروج عدد لا يستهان به من المنشآت في السوق حيث غادرت 458 ألف منشأة وتم إلغاء (324) ألف سجل تجاري في الثلاث سنوات الأخيرة (2020-2023) مع خسارة (158) ألف فرصة عمل حيث كانت السنة الأخيرة هي الأعلى في خسارة الوظائف وفقا لاتحاد الغرف التجارية الصناعية السعودية، النتيجة.. هذه المعادلة جديرة بالدراسة.

القطاع الخاص هو المحرك والدينامو الأساسي في الاقتصاد، هذا القطاع الحيوي يوفر السلع والخدمات والوظائف للمجتمع ويسهم في زيادة الدخل للدولة من الضرائب على المبيعات مما يعزز ويرفع مستوى الرفاهية المجتمعية والناتج الوطني المحلي ومعدل النمو الاقتصادي للدول الحديثة.. فهل كل هذا يأتي صدفة يا ترى؟

الإجابة البديهية القاطعة هنا (لا) و(كلا)! السر الكبير هو توفر الدافع النفسي والتوق الكبير عند الشباب إلى الربح والنجاح؛ فالطموح والتفاؤل والحماسة كلها عوامل تنطلق من حافز الربحية، حيث يقوم أصحاب المنشآت الخاصة بابتكار طرق أكثر فاعلية لخفض التكاليف وزيادة المبيعات، هذا الشعور الفردي يجب وبل يتوجب لزاما أن يبقى عاليا في مواجهة التحديات حتى يبقى القطاع الخاص والاقتصاد ككل نابضا بالحياة!

اليوم نحن نسابق الزمن في مضمار قفزات نوعية متسارعة في كل الميادين ونجاح الاقتصادات ركيزته الأولى خلق قيمة اقتصادية جديدة بشكل متدفق ومن أهم الروافد وجود رائد الأعمال المحترف الذي يسهم في خلق فرص العمل ورفع كفاءة المنافسة والتطوير والابتكار، وهذا يستلزم استحداث الحلول في مسارات موازية من خلال الدراسة الميدانية ووضع التوصيات الدقيقة والتدخل من جهات ولجان الاختصاص ثم التعاون بين كل المؤسسات وأصحاب المصلحة بشكل متزامن لتحسين جودة البيئة واستنهاض القدرات الكامنة في السوق بما يتوافق مع مستهدفات الرؤية، وعلى التوازي من المهم استقطاب الدعم الميسر من صناديق الملاك والبنوك والتوعية العميقة لأصحاب المؤسسات الناشئة والصغيرة والمتناهية الصغر بزيادة معرفتهم لتحديات السوق كمخاطر المستثمر وحواجز التمويل وقوة المنافسة واستراتيجية الخروج مع التدريب والتقييم المستمر وتطوير المهارات والمعرفة (قبل وأثناء وبعد الافتتاح) خاصة لأولئك (المستثمرين لأول مرة).

ياء المقال.. المناخ الاقتصادي بوابته القيمة الحقيقية المضافة وأساسه الدافعية الإيجابية والربحية، والدرجة الجامعية لا تكفي للحصول على وظيفة وفئة الشباب تمثل الغالبية العظمى في الوطن.. إذن نقطة البداية البيئة التمكينية لرواد الأعمال فهي الرافعة لعدد التجارب الناجحة المعززة لمستوى الجاذبية الاستثمارية الاقتصادية محليا وعالميا.

وقد يقول قائل لا بأس فخروج المستثمرين الصغار سيكون لصالح المستثمرين الكبار والبقاء للأفضل وهذه آليات السوق فلعلنا له من عوالم السياحة نستحضر مقارنة لافتة بين أشكال القوة الناعمة حول العالم.. التميز الذي تحظى به دول أوروبا سببه الأول المؤسسات الفردية الصغيرة والمتوسطة وتفردها الجميل وليس السلاسل الكبيرة بفروعها الموحدة شكلا وموضوعا كما في دول أمريكا بشكل عام، ونثق يقينا بأننا على عتبة وثبة جديدة في قطاع ريادة الأعمال فلقد تعودنا مع إشراقة كل شمس أن نشهد بفضل القيادة الحكيمة إنجازات قياسية متجددة ومتعددة في كل المناحي وكافة القطاعات والأصعدة، وقد قيل في كل تحدي فرصة فلعلنا نرى إطلاق مبادرة وطنية ببدء التنافس بين الأمانات لرفع الجاذبية الاقتصادية ولتتبارى أمانة كل مدينة لتكون هي (المدينة المثالية للأعمال) بما يكمل النجاح لكامل أرجاء الوطن ويكسبه الرهان غانما بالمستقبل الأفضل!

RimaRabah@