وليد الزامل

قضايا العمران في مؤتمرات المندي والمثلوثة!

السبت - 19 أغسطس 2023

Sat - 19 Aug 2023

خلال مسيرتي التعليمية والأكاديمية، شاركت في كثير من المؤتمرات التي تعنى بقضايا العمران والتنمية الحضرية، سواء داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها.

لا أنكر أن كثيرا منها يصنف كمؤتمرات رفيعة المستوى، سواء خلال طبيعة الجهة المنظمة التي تتسم بالحيادية، أو آليات التمويل، وأسلوب الإدارة، ومنهجية تحكيم الأوراق العلمية.

وفي المقابل، تظل بعض المؤتمرات الأخرى دون المستوى المأمول، وهي أشبه بحلقات مفرغة يجتمع فيها المهتمون وأصحاب الاختصاص دون الخلوص بنتائج جديرة أو توصيات فاعلة تلامس واقعنا العمراني، وترسم مستقبلا واعدا للتنمية الحضرية.

لا زلت أشعر بالندم للمشاركة في تقديم أوراق بحثية بذلت فيها الجهد الكبير، دون أن تنشر في سجل علمي أو حتى في مجلة علمية أو تقرير يستفيد منه القراء والباحثون وطلاب الدراسات العليا، بحجة ضعف الإمكانات المالية، وكل ما خرجت منه هو شهادة مشاركة مع مجموعة صور تذكارية.

للأسف الشديد، يبذل القائمون على هذه المؤتمرات الأموال الطائلة في التعاقد مع شركات إعداد الوجبات الغذائية للحضور، ودروع الشكر والتكريم، وبرامج زيارة المواقع السياحية، ويتسابق البعض في التقاط الصور التذكارية والحديث في وسائل الإعلام عن المخرجات المتوقعة، ولا مانع من استقطاب بعض مشاهير التواصل الاجتماعي أو الوجوه الإعلامية المشهورة لتلميع المؤتمر.

وفي المقابل، ليس لدى المنظمين أدنى إمكانات لتقديم المكافآت المالية للمحكمين، أو توفير وسائل الإعاشة والنقل للباحثين، أو حتى دعم النشر للأوراق البحثية. في الحقيقة، هذه المؤتمرات تهدف إلى تكريس البهرجة الإعلامية دون أن تساعد صانعي القرار في توجيه السياسات العمرانية نحو معالجة الإشكالات الحضرية.

مؤتمرات ترفع راية المصطلحات الأجنبية أولا لتناقش ثقافة محلية وطُرزا معمارية أصيلة لطالما تفردنا بها بين الأمم.

هذه الثقافة التي يفترض أن ندرسها نحن للعالم أجمع، ليأتي الخبير الأجنبي على حين غرة ويحدثنا عنها!.

مؤتمرات يدعى لها الأجانب من كل حدب وصوب ليتحدثوا عن قضايا التخطيط المحلي، ويصفق لهم الجميع بكل سرور وحماس، سواء فهموا أم لم يفهموا.

مؤتمرات تُستخدم فيها اللغة الإنجليزية كلغة وحيدة، حتى لو كان الحضور جُلهم من العرب، وتمنع المشاركة أو تقديم بحوث باللغة العربية وإذا سألتهم لماذا؟ قالوا لك بعباره حفظناها عن ظهر قلب «اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والمعرفة»، نعم على أساس أن اللغة العربية هي لغة الجهل والبلطجة أو هكذا أنا فهمت!.

أذكر أنني قدمت ورقة بحثية في أحد هذه المؤتمرات الواهية، وتم رفضها مباشرة ليس لكونها دون المستوى أو بعيدة عن محاور المؤتمر، بل لأن موضوع الورقة البحثية يمكن أن يتسبب في إحراج الجهة المنظمة، لكونه لا يتماشى والسياق العام.

بعبارة أخرى، المطلوب هو توليف الورقة البحثية لإبراز الجوانب الإيجابية، متناسين أن طبيعة البحث العلمي تتسم بالحيادية المُطلقة، فلا مجال للمجاملة أو المواربة.

في الحقيقة، مثل هذه المؤتمرات تُكتب توصياتها قبل أن تبدأ، وتُصاغ باستخدام مفردات منمقة إذا قرأتها لن تفهم منها شيئا.

كما أن توصياتها أو نتائجها غير مقرونة بآليات تنفيذية، وكأن هدفها هو التلميع وإعطاء انطباع للمسؤول أو صانع القرار بعدم وجود إشكالات أو قضايا حضرية تستحق المعالجة.

ختاما، وفي ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطور وتنمية عمرانية، لا بد للجامعات السعودية ـ كجهات أكاديمية ـ أن تتبوأ مكانتها في تنظيم المؤتمرات العمرانية، لتناقش قضايا التخطيط العمراني والتنمية المستدامة، وإدارة المدن، والعمارة المحلية وتقدم أبحاثا ودراسات وتجارب في قالب يتسم بالحيادية المطلقة، بعيدا عن الاجتهادات الفردية والبهرجة الإعلامية، كما في مؤتمرات المندي والمثلوثة!.

waleed_zm@