سعد باسلوم

ماكينات الطب التكميلي الألمانية

الأربعاء - 16 أغسطس 2023

Wed - 16 Aug 2023

سنستعرض فى هذا الصدد التجربة الألمانية فى التأسيس وصناعة الطب التكميلي، ففي السنوات الأخيرة، اكتسب الطب التكميلي شعبية كبيرة في ألمانيا، وأصبح مصدرا رئيسيا للدخل في البلاد وعامل جذب للسياحة الترفيهية والعلاجية، سوف نستكشف فى هذا المقال، كيف طورت ألمانيا آليات واستراتيجيات فعالة لإحداث نهضة في صناعة الطب التكميلي، وسنستعرض أيضا كيف أسهمت هذه الاستراتيجيات والرؤى في زيادة الدخل القومي للبلاد وتحويل الطب التكميلي إلى عامل جذب مرتبط باقتصاديات السياحة الترفيهية والعلاجية وغيرها من الصناعات.

جوانب الرؤية الألمانية

الإطار التنظيمي:


أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في نمو صناعة الطب التكميلي في ألمانيا هو الإطار التنظيمي الصارم المعمول به، حيث وضعت الحكومة الألمانية في عام 1976م معايير صارمة للممارسين والمنشآت والمنتجات لإنتاج وتوزيع وتسويق منتجات الطب التكميلي، وقامت بإدراج بعض من ممارسات الطب التكميلي بقانون الترخيص الطبي في العام 1988م، من جهته ساعدت هذه الأنظمة والمعايير في ضمان سلامة وفعالية هذه المنتجات، وبناء الثقة في الصناعة وجعلها أكثر جاذبية للمستهلكين، حيث قام المعهد الاتحادي للأدوية والأجهزة الطبية (Bundesinstitut für Arzneimittel und Medizinprodukte BfArM) وهو أعلى سلطة اتحادية مستقلة ضمن حقيبة وزارة الصحة الفيدرالية بإجراء العديد من الدراسات والبحوث قبل اعتماد أي من هذه التنظيمات وقامت بتشكيل عدد من اللجان منها لجنة المنتجات الطبية ولجنة المنتجات الطبية التجانسية وكذلك لجنة للمنتجات الطبية العشبية، وفقا للأنظمة والمعايير التي وضعها المعهد وذلك لدعم وتحقيق رؤية البلاد باحترام خصوصية «الأنظمة العلاجية الخاصة».

ساعد الإطار التنظيمي أيضا على إضفاء الشرعية على الصناعة في أعين مقدمي الرعاية الصحية. ففي عام 1993م، تم الاعتراف رسميا بالطب التكميلي باعتباره تخصصا طبيا في ألمانيا، مما سمح بدمجه في نظام الرعاية الصحية، وقد سمح ذلك للطب التكميلي بأن يصبح في متناول المرضى، مما زاد من شعبيته والمساهمة في نمو الصناعة.

البحث والتطوير:

أظهرت الحكومة الألمانية دعمها للبحوث في الطب التكميلي في عام 2003، من خلال تمويل دراسات بحثية متنوعة وإنشاء مراكز ووحدات بحثية جديدة فى الجامعات والمؤسسات البحثية الألمانية، حيث ساعدت هذه الأبحاث والدراسات في إضفاء الشرعية على الصناعة وجذب المزيد من الاستثمارات وأحد أبرز هذه المؤسسات البحثية هي Charité - Universitätsmedizin Berlin وهو مستشفى جامعي يحتوي على مركز للطب التكميلي، ويجري أبحاثا حول فعالية الوخز بالإبر وطب الأعشاب والعلاجات التكميلية الأخرى، حيث ساعدت هذه البحوث في إثبات سلامة وفعالية هذه العلاجات، مما يجعلها أكثر جاذبية وموثوقية للمستهلكين ومقدمي الرعاية الصحية.

التأمين الصحي:

في ألمانيا، يغطي التأمين الصحي بعض علاجات الطب التكميلي كالوخز بالإبر والطب التجانسي وتقويم العمود الفقري وتقويم العظام والطب الصيني، في حين أن البعض الآخر لا تشملها التغطية التأمينية، حيث تعتمد العلاجات التي يغطيها التأمين الصحي على خطة التأمين الصحي المحددة والحالة الصحية للفرد علما أنه قد تم تغطية ممارسات الطب التكميلي من قبل هيئة التأمين الصحي الألمانية منذ عام 1976م، وفي حال عدم التغطية المباشرة، يتم دفع التعويض بشكل مباشر للمستفيد بعد تلقيه الخدمة إذا كانت هناك حاجة طبية أو وقائية، علما أن معظم شركات التأمين الصحي في ألمانيا تغطي الوخز بالإبر كعلاج طبي في كثير من الحالات، وقد يحتاج المرضى إلى دفع مبلغ للاشتراك قبل بدء التغطية التأمينية، بالنسبة للمرضى الذين ليس لديهم تغطية تأمينية، يمكن أن تختلف تكلفة الوخز بالإبر بشكل كبير اعتمادا على الممارس والموقع، ولكنها تتراوح عادة بين 50 يورو 100 لكل جلسة.

الجدير بالذكر أن دراسة نشرت في مجلة الطب البديل والتكميلي في عام 2007 وجدت أن المرضى الذين استخدموا الطب التكميلي ينفقون أقل على الرعاية الصحية بشكل عام من أولئك الذين لم يستخدموا الطب التكميلي، ووجدت الدراسة أيضا أن المرضى الذين استخدموا الطب التكميلي قد اقتصرت إقامتهم فى المستشفيات فى حالات طبية معينة على فترات أقل فى بعض الحالات الصحية وصحتهم العامة جيدة مقارنة بالمرضي غير المعتادين على ممارسات الطب التكميلي، بالإضافة إلى توفير التكلفة المحتملة على الدولة من حيث تشير الدراسة إلى قصر فترة الإقامة أو عدم تعرضهم لكثير من الوعكات الصحية.

ما تتميز به ألمانيا من ممارسات العلاج بالحجامة:

شهد العلاج بالحجامة انتعاشا ملحوظا في ألمانيا في السنوات الأخيرة، ويمكن أن يعزى هذا الاهتمام المتجدد بالحجامة إلى عدد من العوامل، منها: الشعبية المتزايدة للطب البديل والتكميلي في ألمانيا، وزيادة توافر مراكز العلاج بالحجامة، وتأييد الرياضيين البارزين للحجامة.

الاستفادة من علم الأشعة:

لعب الألمان دورا أساسيا في تطوير علم الأشعة، وقد قدم أعضاؤها مساهمات كبيرة في هذا المجال، هناك عدة أسباب وراء تطور علم الأشعة في الطب التكميلي في ألمانيا، أحد هذه الأسباب الرئيسة هو الاهتمام بتداخلات هذا التخصص مع التخصصات الطبية الدقيقة والفرعية الأخرى.

استفادت ألمانيا من تطور الطب الغربي فى علم الأشعة لديها ودمج هذه التقنيات والاستفادة من هذا التقدم عن طريق تعزيز استخدام تطبيقاته فى مجال الطب التكميلي، فيما يمكن أن نسميه الطب الاندماجي، وهذا الدمج واستغلال التطبيقات الحديثة والربط بينها وبين مجالات أخرى قد صب فى المقام الأول فى مصلحة المريض وتحقيق أقصى استفادة علاجية نافعة له.

أكثر هذه الاستخدامات هي الأشعة بالاقتران مع الوخز بالإبر -أكثر فروع الطب التكميلي شيوعا واستخداما على المستوي العالمي-، هو التخصص الأكثر استفادة من تطور طب الأشعة الألماني، والنهج الألماني فى الطب التكميلى له السبق فى تطوير هذا المفهوم وأول من طبقوه واستفادوا منه وبطبيعة الحال هم الرواد في هذا المجال، ولا يوجد أي بلد في العالم يطبق هذه الطريقة الجديدة فى المعالجة، على الأقل بنفس الكفاءة والانتشار كما يحدث فى ألمانيا واليابان.

الوخز الإبري:

وفقا لمسح أجراه مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني عام 2018، تلقى 6.7% من سكان ألمانيا الوخز بالإبر في الأشهر الـ 12 الماضية. ويمثل هذا زيادة كبيرة عن دراسة مماثلة أجريت في عام 2002، والتي وجدت أن 2.7% فقط من الألمان قد تلقوا الوخز بالإبر في العام الماضي.

ووجدت الدراسة نفسها أن النساء كن أكثر عرضة من الرجال لتلقي الوخز بالإبر، حيث بلغ 8.4% من النساء أنهن قد خضعن للوخز بالإبر في الأشهر الـ 12 الماضية، مقارنة بـ 4.9% من الرجال، من جهة أخرى كان الوخز بالإبر أكثر شيوعا في علاج آلام الظهر، يليه آلام المفاصل والصداع بأنواعه، كما وجد الاستطلاع أن الوخز بالإبر كان أكثر شيوعا بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و 54 عاما، حيث أفاد 9.9 % من هذه الفئة العمرية أنهم تلقوا الوخز بالإبر في العام الماضي، تبع هذه الفئة العمرية أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و 44 عاما، حيث أفاد 8.8% أنهم تلقوا الوخز بالإبر.

طب الأعشاب الطبيعية:

يتم تنظيم طب الأعشاب في ألمانيا من قبل المعهد الفيدرالي للأدوية والأجهزة الطبية (BfArM) وهو معترف به باعتباره تخصصا طبيا رسميا، حيث تتوفر العديد من الأعشاب الطبيعية دون وصفة طبية ويمكن شراؤها من الصيدليات ومحلات الأطعمة الصحية وعبر الإنترنت، وفقا لمسح أجراه مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني عام 2018، استخدم 29.9% من سكان ألمانيا الأعشاب الطبيعية أو العلاجات التجانسية خلال الـ 12 شهرا الماضية، حيث يمثل هذا زيادة كبيرة عن دراسة مماثلة أجريت في عام 2002، والتي وجدت أن 22.5% فقط من الألمان استخدموا الأعشاب الطبيعية أو العلاجات المثلية في 2019.

وجد الاستطلاع نفسه أن النساء كن أكثر عرضة من الرجال لاستخدام الأعشاب الطبيعية أو العلاجات المثلية، حيث أبلغت 38.4% من النساء عن استخدامها في العام الماضي، مقارنة بـ 21.0% من الرجال، حيث كانت الأسباب الأكثر شيوعا لاستخدام الأعشاب الطبيعية أو العلاجات التجانسية هي علاج نزلات البرد أو الأنفلونزا، تليها مشاكل الجهاز الهضمي والتوتر والأرق، و بخصوص التكلفة فإن معظم خطط التأمين الصحي في ألمانيا لا تغطي هذه المنتجات إلا إذا وصفها الممارس المرخص ومع ذلك، فإن العديد من الألمان على استعداد للدفع من جيوبهم مقابل منتجات الأعشاب الطبيعية، حيث يبلغ متوسط الإنفاق الألماني حوالي 70 مليون يورو سنويا على منتجات الأعشاب الطبيعية.

طورت ألمانيا آليات واستراتيجيات فعالة لإحداث نهضة في صناعة الطب التكميلي، وأسهم الإطار التنظيمي القوي للدولة وجهود البحث والتطوير واستخدام التقنيات الرقمية في نمو الصناعة ونجاحها، كما أن كان لصناعة الأدوية التكميلية تأثير كبير على الاقتصاد الألماني، حيث إنها وفرت فرص العمل وأسهمت في نمو القطاعات ذات الصلة، هنالك بالطبع تحديات تحتاج إلى المواجهة وحلها مما سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد، حيث يمكن لصناعة الأدوية التكميلية في ألمانيا أن تستمر في النمو والمساهمة في اقتصاد البلاد ورفاهيتها.

وسنذكر أرقاما اقتصادية في مقالنا القادم.

@SaadBaslom