ياسر عمر سندي

متلازمة الاستحواذ

الأربعاء - 16 أغسطس 2023

Wed - 16 Aug 2023

في البداية، أود التنويه بأن محتوى المقال سيتحدث عن السلوك البشري لعادة سلبية مزعجة ومنفرة، لذلك يستلزم الأمر توضيح المفاهيم حتى يسهل الاستيعاب للقارئ الكريم.

مصطلح المتلازمة يعني الأمر الملازم للإنسان، والذي يظهر كمجموعة من العلامات أو السمات في مواقف معينة وأوقات مختلفة، وتتمثل في ردود أفعال في المنطوق اللفظي أو التصرف الفعلي أو الإيماء التعبيري.

أما مفهوم الاستحواذ، يدل على السيطرة والامتلاك، ومتلازمة الاستحواذ أعني بها ذلك التفسير النفسي للتصرف البشري اللاشعوري الذي يحدث بطريقة لا يدركها الإنسان، نتيجة لما وقع في الماضي، ومن ثم سيطر عليه وجعله يتصرف بأسلوب يتكرر معه السلوك وهو فاقد الإرادة، حتى يصبح عادة دخيلة ونمطا متأصلا، ولكن يمكن بالاستبصار والوعي الذاتي والعلاج السلوكي المعرفي الممنهج أن يساعد في التخلص من سلوك الاستحواذ، أو على الأقل التحسن والتغير تدريجيا للأفضل.

متلازمة الاستحواذ أو سمة السيطرة أو نمط التملك، ينمي ما يسمى بالتمركز حول الذات، والذي يحتاج إلى وقفة تحليلية نفسية ومعرفية.

برأيي، أن ذلك يرجع إلى تلك المراحل الأولية في تأسيس الشخصية لدى الأطفال، عندما يحاولون عبثا جس نبض الوالدين أو أحدهما، بالرغبة الملحة تجاه أخذ شيء أو تملكه، وتسيير الوالدين وتقييدهما حسب رغباتهم للرضوخ عند أوامرهم، خصوصا إذا شعر الابن بحب والده الشديد وتمييزه عن باقي إخوته، فإذا نزل الأبوان عند مطالبه في المرة الأولى، فإنه سيكرر ذلك إلى أن يتلازم معه سلوك السيطرة ولا يكاد ينفك عنه.

لذلك تنشأ هذه الشخصيات وتكبر في عمرها ويتنامى لديها حب السيطرة وأسلوب الفرض.

من الأسباب المؤدية إلى متلازمة الاستحواذ أيضا، الدلال المفرط من الأب أو الأم تجاه الولد أو البنت، وعدم تربية الأبناء على السلوكيات السوية في ألفاظهم وتصرفاتهم وتعبيراتهم، فإنهم سيمارسونها إلى أن يصبحوا كبارا، وبالتالي فإن أول من سيتعرض لمشكلات الشخصية المستحوذة مستقبلا هم الآباء، ثم المقربون من حولهم.

التمركز حول الذات يدمر توجيه السلوكيات مع الآخرين، وبالتالي يصبح صاحبه رهينة لما تمليه عليه «الأنا»، وهو جانب الغرور الكامن في اللاشعور، والذي يحدثه بأن ما يريده سيتمكن منه بقوة السيطرة الفوقية على الغير، الأمر الذي يلغي فلسفة الرأي والرأي الآخر بحضور الرأي الأوحد، وما أريكم إلا ما أرى سواء.

لذلك، من المفترض التركيز على هذا الأمر الحساس، بأنه من الضروري التنبيه أولا للوالدين بعدم الانصياع لأوامر أبنائهم، إذا كانت خارجة عن الأدب والاحترام والرقي في مطالبهم ورغباتهم، وثانيا عدم السماح للآخرين بتنمرهم وسيطرتهم بفرض الرأي في أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم، حتى وإن كانوا من المقربين، وتذكيرهم دوما بتعزيز مبدأ ثلاثية القيم التبادلية، وهي: الاحترام، والالتزام، والسلام. حتى تدوم العلاقات بسلام.

Yos123Omar@