خالد العويجان

الإخوان المسلمون وعبوة إردوغان الناسفة

الثلاثاء - 15 أغسطس 2023

Tue - 15 Aug 2023

جماعة «الإخوان المسلمون الإرهابية» تعيش أسوأ حالاتها. تترنح في تركيا وبريطانيا. البحث عن قيادات ذات ثقل أدخل الجماعة دهاليز الخوف والتشتت.

والجرس الذي علقته أنقرة قبل فترة حول فتح ملف الترحيلات أربك الصفوف. لم يظنوا هكذا بالخليفة، لكن السياسة قادته لخيارات سيئة، أحلاها مُرّ.

وجد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نفسه مجبرا على إعادة المياه إلى مجاريها مع القاهرة.

فظروف الساعة اختلفت عما سبق، والمبررات السياسية التي دعته لمناهضة النظام المصري تلاشت إلى حد كبير، إلا أنه ثمة ما يمكن أن يعرقل المسافة من أنقرة إلى القاهرة. ما هو؟ ورقة «الإخوان المسلمون».

والحقيقة بعد أن تغلغلت أنقرة في احتضان الجماعة، اكتشف صانع القرار التركي أن الجماعة التي وجدت لها مأوى بعد الفرار من مصر، في المرحلة التي أعقبت سقوط نظام الإخوان في مصر، استخدمته أكثر مما تخدمه. كيف؟ بتحولها إلى تهمة؛ أو عامل ضغط، لطالما قوبلت به أنقرة في كثير من المحافل، الإقليمية والدولية. هذا أولا.

ثانيا؛ عاش نظام إردوغان في حالة تشبه العزلة، فالبنظر إلى دول المنطقة المؤثرة، يكتشف المرء أن أهمها أدارت ظهرها له، ما لم يتخل عن الجماعة، المصنفة «إرهابية» في دول الإقليم المهمة، كالسعودية ومصر، وبعض دول الخليج.

ومع مرور الوقت، قررت أنقرة العودة إلى التفكير في فتح قنوات اتصال مع أنظمة المنطقة، والبحث في إزالة العوالق السياسية التي تتسبب في نوع من القطيعة معها. وهذا ما حدث بالفعل، فقد عمدت تركيا إلى التقارب مع السعودية، واحتاجت كثيرا من الوقت للقيام بالخطوة ذاتها مع القاهرة، إلا أن الملف يشوبه كثير من العوائق، كان على رأسها ملف جماعة «الإخوان المسلمون»، ولا سيما المطلوبين أمنيا للنظام المصري، والذين يتخذون تركيا أرضية لمهاجمة القاهرة عبر وسائل الإعلام.

أعطى رجب طيب إردوغان يوما ما تلميحات بترحيل بعض ممن أسماهم بـ«المهاجرين» تارة، وتارة أخرى لم يتردد عن طرد كثير منهم إرضاء لنظام عبدالفتاح السيسي. وبدأ كثير من اللجان التركية – المصرية، باللقاءات لإنهاء الفرقة التي استمرت قرابة عشرة أعوام.

ما دعاني اليوم إلى فتح هذا الملف أمران: الأول: التطمينات التي أطلقها إردوغان قبل أيام في مؤتمر للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، خلال تعهده بعدم ترحيل المهاجرين العرب. وما يثير الاستغراب، أن كثيرا مما حضروا المؤتمر، كتبوا في مدوناتهم أن إردوغان تعهد بأن يبقى قلب بلاده مفتوحا لمن آوى إليها، وأن الأخوة الإسلامية والإنسانية تحكم هذا الملف». وهذا تفسيره؛ عودة عن الوعود السابقة.

الأمر الثاني: هو ما أفهمه، حول الحالة الفكرية والتأسيسية للجماعة، التي خرجت من رحم ثُلة من البشر، تعد وترى بعض الأساليب التي يعيشها الإنسان في حياته ضربا من ضروب الشيطان. وحديثي هنا عن مفهوم الحرية لدى الجماعة، وهي مثار تناقض فكري وسياسي تعاني منه ورموزها، فهم على سبيل المثال، يرون الحرية في مصر والعالم الآخر نوعا من الأساليب المنحرفة، التي أسست لها جماعات هدفها القفز على الأديان «خصوصا على الإسلام». بينما هم يبحثون عنها مثلا في تركيا، ولندن، حسبما يناسبهم من مناخ.

أتصور حسب منظوري الشخصي، أن الجماعة باتت ورقة قد احترقت في يد النظام التركي، وهو ما قاده لإطلاق تطمينات عامة، الهدف منها مخاطبة العقل الجامع للجماعات الإسلامية بالعموم، على أن هذا النظام هو الحامي لها من جبروت بعض الأنظمة الأخرى، حسبما تزعم تلك الجماعات، وعلى رأسها «الإخوان المسلمون».

إن محاولات الخداع السياسي هذه، التي تمارس على عقول تقليدية تعاني من البساطة وكثير من السذاجة، جُلها في العالم العربي، لن تجدي نفعا، لتغطية كثير من الثغرات الداخلية في تركيا، والتي يعيشها ويعاني منها النظام الرسمي التركي، وهذا مفهوم للجميع، باستثناء من أدار ظهره للواقع والمنطق.

أجزم أن جماعة «الإخوان المسلمون الإرهابية»، دخلت في مرحلة سكرات الموت، التي لن تكون بمنأى عنها، سواء بفضل النظام التركي، أو الغرب، ممن عرف عن سياساتهم الهرولة والركض وراء كل من يختلفون مع أوطانهم، تحت ذريعة حماية الحرية الكاذبة.

في النهاية؛ لدي اليقين المطلق بأن لا مناص للإخوان من أن ينهلوا من ذاك السم الذي طبخوه في حقبة تاريخية مضت، حينها لن يفيدهم نظام تركيا، ولا بريطانيا العظمى. ولعلهم ينجون من «عبوة إردوغان الناسفة».