الشكوى لله
الثلاثاء - 15 أغسطس 2023
Tue - 15 Aug 2023
إن الواقع الجديد الذي نعيشه في مجالات التحول نحو تحسين جودة الحياة في المملكة يفرض نفسه وبقوة.. فعندما نشاهد خبرا تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعلت معه القطاعات الحكومية الخدمية.. فإننا كأفراد نظل حريصين لا نتركه يمر مرور الكرام، بل إننا نحلله ونتأمل تفاصيله دون أن نضعه في أي سياق يغلب مصلحة طرف على آخر.
وإن تم التحدث عن مبادرات وزارة الشؤون البلدية والقروية للتحول الهادفة إلى تطبيق أفضل المعايير المهنية في مجال الرقابة البلدية، لا بد أن نتحدث عن مبادرة «إجادة» لمن لا يعرفها.
حيث تعد مشروعا وطنيا رياديا يهدف لرفع التزام المنشآت الغذائية والتجارية ومنشآت الصحة العامة بالضوابط والاشتراطات النظامية.
هي ذراع وزارة الشؤون البلدية وعينها وعصاها عبر الدور المنوط بها لتحسين رضا المستفيدين وتعزيز الثقة في الخدمات المقدمة من المنشآت الغذائية والتجارية ومنشآت الصحة العامة، أيضا من مهامها (كما هو مذكور في اللائحة) الارتقاء بالمستوى الرقابي للخدمات البلدية عبر التفتيش الدوري بواسطة مراقبين مؤهلين تأهيلا عاليا، وذلك لرصد المخالفات ثم مراجعتها مركزيا واعتمادها وإبلاغ صاحب المنشأة بها.
ومع اتجاه بعض القطاعات الحكومية نحو الخصخصة بوتيرة ملحوظة؛ فإن الاستعانة بشركات القطاع الخاص من داخل أو خارج المملكة لتطوير الخدمات المساندة يعتبر الخيار الأجدى.. لكن هذا لا يعني قبول أن تتعامل هذه الشركات المساندة بأسلوب الاتهام مع المستثمر السعودي وغيره، وبمبدأ تحمل الذنب حتى تثبت البراءة.. هل يعتبر المؤشر الرئيس لتقييم أداء هذه الشركات المساندة هو حجم العائد من المخالفات والغرامات؟
ومن يحمي أصحاب المنشآت الصغيرة من التعثر في سوق ضخم تبتلع فيه الحيتان الزرقاء صغار السمك وتلتهم فوقها الحسك؟ ولمصلحة من يتم تقليص حجم الفرص الجديدة لرواد الأعمال، مما قد يخفض نسب نمو المنشآت الصغيرة أو متناهية الصغر بشكل قد يؤثر على استدامة وازدهار الاقتصاد الوطني.
نحن نتكلم عن تخفيض معدل البطالة من (11.6%) إلى (7%)، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من (2%) إلى (35%) بحلول 2030، فكيف سيتحقق ذلك دون ضبط وتخفيض لنسب شكاوى المستثمرين؟
أفيدونا أفادكم الله فهناك تساؤلات كثيرة تدور في هذا الشأن.. مثلا: هل يأخذ المراقب في كافة الجهات نسبة من الغرامة عندما يرصد أكبر عدد منها؟ وإلا ما المبرر المنطقي لسرعة إيقاع الغرامات.. وبمبالغ غير منطقية؟
هل يتم مساءلة المراقب والجهة الضابطة للنشاط التجاري عن دورها في تجنيب صاحب العمل تكرار المخالفة.. تدريجيا؟ هل قامت الوزارة المسؤولة عن الترخيص بتعريف المستثمر بمسؤولياته في القطاع الذي يتاجر فيه وأخذت عليه موثقا بالعلم؟ هل تم تقديم ورش عمل لصغار المستثمرين والمستجدين في سوق العمل من قبل الجهات المرخصة لمساعدتهم على النضج التجاري ومساندتهم للاستمرار؟
جميعنا يعلم أن أتمتة التعاملات التجارية والأنظمة في المملكة قد تطور رقميا بشكل مبهر، وبشكل تغبطنا عليه أغلب الدول من حولنا.. فقد قلصت الأتمتة من حجم الخطأ البشري وخفضت من حالات الفساد والمحسوبية، فبات موضوع رصد المخالفة موثق بالصورة لدى بعض الجهات وموافق عليه من قبل لجنة ويمكن الاعتراض عليه. لكن يبقى السؤال المطروح.. لماذا على المستثمر أن يدفع أولا ثم يعترض؟
لماذا لا يبت في الاعتراض عبر لجنة محايدة.. لأنه لا يمكن لجهة الرقابة أن تكون هي الخصم والحكم في نفس الوقت.. تماما كالذي يفعله مجلس الضمان الصحي كوسيط بين المريض وشركات التأمين ومقدمي الخدمة الصحية.
وأذكر هنا موقفا حدث مع مالكة منشأة تدريبية.. ولا أبالغ إن قلت الأسلوب البوليسي للسيدة التي تمثل الجهة الرقابية.. الجولة التفتيشية تتم وهي بشكل متخف، لا تنزع البرقع وهي في منشأة نسائية.. تدخل كأنها متدربة وتطلب التسجيل في برنامج تدريبي، ويتم إفادتها وتبصيرها.. ثم تفاجئهم بالإعلان عن هويتها! وهناك جهة رقابية أخرى أوقعت غرامة على محل تجاري لأن أحد مصابيح الإضاءة في غرفة المخزن لا يعمل!؟
ولدي من الحكايات الكثير.
أسلوب التخوين وتتبع عثرات المستثمر لن يكون أبدا العصا النافعة لضبط سوق العمل.. فماذا حدث لأسلوب الجزرة؟ وفي نفس الوقت لا يسعى مقالنا هذا إلى التراخي في إنفاذ الأنظمة وعدم تطبيق معايير تحقق الجودة على المخالفين، بل هو ضد عدم الانضباط بين فئتي المصلحة: المستثمر والجهة الرقابية أو المرخصة للنشاط التجاري.
ومن هذا المنطلق لابد من حوكمة الرقابة على جهات الرقابة بحيث يقل عدد المخالفات وتنخفض الاعتراضات، إلى أن نصل لمرحلة مستهدفة وهي أن يدفع المخالف غرامته وهو راض ومبتسم.. فقد تم الإعذار والإنذار.
خلاصة القول إن المستثمر يخوض معركة يومية نحو البقاء في سوق العمل.. يتعامل مع أكثر من 15 جهة رسمية، وبعض اشتراطات هذه الجهات لازالت تتضارب بشكل مضحك مع معايير واشتراطات الجهات الأخرى، هو يناضل لعدة أشواط من أجل الافتكاك من احتمالية الخسارة والإفلاس. نحن بحاجة إلى رقابة تتجلى فيها عبقرية الاهتمام بالمستثمر وتطويره أكثر من تأديبه وتغريمه، فالهدف في النهاية هو تحفيز مقدمي الخدمة والمستثمرين للمساهمة في رفع مستوى جودة الحياة في هذا الوطن العظيم.
أكتب مقالي هذا لأنه لابد من الشكوى إلى ذي مروءة.. فإما أن يواسيك أو يسليك أو يتوجع، وأضعف الإيمان أن نتوجع.
smileofswords@
وإن تم التحدث عن مبادرات وزارة الشؤون البلدية والقروية للتحول الهادفة إلى تطبيق أفضل المعايير المهنية في مجال الرقابة البلدية، لا بد أن نتحدث عن مبادرة «إجادة» لمن لا يعرفها.
حيث تعد مشروعا وطنيا رياديا يهدف لرفع التزام المنشآت الغذائية والتجارية ومنشآت الصحة العامة بالضوابط والاشتراطات النظامية.
هي ذراع وزارة الشؤون البلدية وعينها وعصاها عبر الدور المنوط بها لتحسين رضا المستفيدين وتعزيز الثقة في الخدمات المقدمة من المنشآت الغذائية والتجارية ومنشآت الصحة العامة، أيضا من مهامها (كما هو مذكور في اللائحة) الارتقاء بالمستوى الرقابي للخدمات البلدية عبر التفتيش الدوري بواسطة مراقبين مؤهلين تأهيلا عاليا، وذلك لرصد المخالفات ثم مراجعتها مركزيا واعتمادها وإبلاغ صاحب المنشأة بها.
ومع اتجاه بعض القطاعات الحكومية نحو الخصخصة بوتيرة ملحوظة؛ فإن الاستعانة بشركات القطاع الخاص من داخل أو خارج المملكة لتطوير الخدمات المساندة يعتبر الخيار الأجدى.. لكن هذا لا يعني قبول أن تتعامل هذه الشركات المساندة بأسلوب الاتهام مع المستثمر السعودي وغيره، وبمبدأ تحمل الذنب حتى تثبت البراءة.. هل يعتبر المؤشر الرئيس لتقييم أداء هذه الشركات المساندة هو حجم العائد من المخالفات والغرامات؟
ومن يحمي أصحاب المنشآت الصغيرة من التعثر في سوق ضخم تبتلع فيه الحيتان الزرقاء صغار السمك وتلتهم فوقها الحسك؟ ولمصلحة من يتم تقليص حجم الفرص الجديدة لرواد الأعمال، مما قد يخفض نسب نمو المنشآت الصغيرة أو متناهية الصغر بشكل قد يؤثر على استدامة وازدهار الاقتصاد الوطني.
نحن نتكلم عن تخفيض معدل البطالة من (11.6%) إلى (7%)، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من (2%) إلى (35%) بحلول 2030، فكيف سيتحقق ذلك دون ضبط وتخفيض لنسب شكاوى المستثمرين؟
أفيدونا أفادكم الله فهناك تساؤلات كثيرة تدور في هذا الشأن.. مثلا: هل يأخذ المراقب في كافة الجهات نسبة من الغرامة عندما يرصد أكبر عدد منها؟ وإلا ما المبرر المنطقي لسرعة إيقاع الغرامات.. وبمبالغ غير منطقية؟
هل يتم مساءلة المراقب والجهة الضابطة للنشاط التجاري عن دورها في تجنيب صاحب العمل تكرار المخالفة.. تدريجيا؟ هل قامت الوزارة المسؤولة عن الترخيص بتعريف المستثمر بمسؤولياته في القطاع الذي يتاجر فيه وأخذت عليه موثقا بالعلم؟ هل تم تقديم ورش عمل لصغار المستثمرين والمستجدين في سوق العمل من قبل الجهات المرخصة لمساعدتهم على النضج التجاري ومساندتهم للاستمرار؟
جميعنا يعلم أن أتمتة التعاملات التجارية والأنظمة في المملكة قد تطور رقميا بشكل مبهر، وبشكل تغبطنا عليه أغلب الدول من حولنا.. فقد قلصت الأتمتة من حجم الخطأ البشري وخفضت من حالات الفساد والمحسوبية، فبات موضوع رصد المخالفة موثق بالصورة لدى بعض الجهات وموافق عليه من قبل لجنة ويمكن الاعتراض عليه. لكن يبقى السؤال المطروح.. لماذا على المستثمر أن يدفع أولا ثم يعترض؟
لماذا لا يبت في الاعتراض عبر لجنة محايدة.. لأنه لا يمكن لجهة الرقابة أن تكون هي الخصم والحكم في نفس الوقت.. تماما كالذي يفعله مجلس الضمان الصحي كوسيط بين المريض وشركات التأمين ومقدمي الخدمة الصحية.
وأذكر هنا موقفا حدث مع مالكة منشأة تدريبية.. ولا أبالغ إن قلت الأسلوب البوليسي للسيدة التي تمثل الجهة الرقابية.. الجولة التفتيشية تتم وهي بشكل متخف، لا تنزع البرقع وهي في منشأة نسائية.. تدخل كأنها متدربة وتطلب التسجيل في برنامج تدريبي، ويتم إفادتها وتبصيرها.. ثم تفاجئهم بالإعلان عن هويتها! وهناك جهة رقابية أخرى أوقعت غرامة على محل تجاري لأن أحد مصابيح الإضاءة في غرفة المخزن لا يعمل!؟
ولدي من الحكايات الكثير.
أسلوب التخوين وتتبع عثرات المستثمر لن يكون أبدا العصا النافعة لضبط سوق العمل.. فماذا حدث لأسلوب الجزرة؟ وفي نفس الوقت لا يسعى مقالنا هذا إلى التراخي في إنفاذ الأنظمة وعدم تطبيق معايير تحقق الجودة على المخالفين، بل هو ضد عدم الانضباط بين فئتي المصلحة: المستثمر والجهة الرقابية أو المرخصة للنشاط التجاري.
ومن هذا المنطلق لابد من حوكمة الرقابة على جهات الرقابة بحيث يقل عدد المخالفات وتنخفض الاعتراضات، إلى أن نصل لمرحلة مستهدفة وهي أن يدفع المخالف غرامته وهو راض ومبتسم.. فقد تم الإعذار والإنذار.
خلاصة القول إن المستثمر يخوض معركة يومية نحو البقاء في سوق العمل.. يتعامل مع أكثر من 15 جهة رسمية، وبعض اشتراطات هذه الجهات لازالت تتضارب بشكل مضحك مع معايير واشتراطات الجهات الأخرى، هو يناضل لعدة أشواط من أجل الافتكاك من احتمالية الخسارة والإفلاس. نحن بحاجة إلى رقابة تتجلى فيها عبقرية الاهتمام بالمستثمر وتطويره أكثر من تأديبه وتغريمه، فالهدف في النهاية هو تحفيز مقدمي الخدمة والمستثمرين للمساهمة في رفع مستوى جودة الحياة في هذا الوطن العظيم.
أكتب مقالي هذا لأنه لابد من الشكوى إلى ذي مروءة.. فإما أن يواسيك أو يسليك أو يتوجع، وأضعف الإيمان أن نتوجع.
smileofswords@