فهد إبراهيم المقحم

المدارس.. مقار لم تستثمر!

الثلاثاء - 15 أغسطس 2023

Tue - 15 Aug 2023

في نهاية الإجازة الصيفية من كل عام تتهيأ مدارسنا لفتح أبوابها إيذانا ببداية العام الدراسي الجديد بعد أن هجرت لفترة طويلة دون أن تستثمر، بل ربما كان لهذا الهجر آثار سلبية على أصولها ونفقات صيانتها.

في حين أن المدارس في العديد من البلدان حول العالم تقدم برامج إثرائية في الإجازة الصيفية، بل وفي الفترة المسائية على مدار العام الدراسي؛ بهدف المساهمة في تنمية القدرات البشرية، وتعزيز مستوى جودة الحياة، علاوة على الاستثمار الأمثل للموارد في تغطية النفقات وتوظيف المزيد من الطاقات الوطنية.

فما الذي يمكن أن تقدمه مدارسنا في الفترة المسائية والإجازة الصيفية للمساهمة في تحقيق أهداف رؤيتنا الطموحة؟

أولا: تعزيز مستوى التحصيل الدراسي، إذ وجدت دراسة أجريت على أكثر من 9 آلاف طالب وطالبة في الولايات المتحدة الأمريكية، شاركوا في أكثر من 100 برنامج إثرائي في الفترة المسائية، أن هؤلاء الطلبة لديهم إندماج أفضل مع مدراسهم، وانضباط أعلى في الحضور، وتحسن ملحوظ في الأداء التعليمي؛ وهذا بدوره يسهم في بناء مواطن ينافس عالميا، ويرفع من مستوى جودة النظام التعليمي في التصنيفات والتقييمات الوطنية والدولية.

ثانيا: تنمية المهارات وتحسين السلوكيات، إذ أظهرت دراسة بحثية، شملت 73 برنامجا إثرائيا، قامت بها المنظمة الرائدة في تطوير الجدارات الأكاديمية والسلوكية (CASEL)، أن للأنشطة المسائية تأثيرا إيجابيا على مهارات الطلبة الشخصية والاجتماعية، مثل: حل المشكلات، والتعاون، وضبط النفس، واتخاذ القرار، والقيادة، والإبداع، وتقدير الذات.

ثالثا: اكتشاف الاهتمامات وتعزيز الهوايات، فالأنشطة اللاصفية تتيح للطالب فرصة اكتشاف اهتماماته وتعزيز هواياته في بيئة طوعية وآمنة، ويمكن أن تسهم مثل هذه الأنشطة في الاستفادة من مبادرة منصة هاوي التي أطلقها مؤخرا برنامج جودة الحياة.

رابعا: تعزيز الصحة النفسية والجسدية، فقد أظهر تقرير نشرته وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية في عام 2021 أن الأنشطة المدرسية المسائية تسهم في تعزيز صحة الطلبة النفسية والسلوكية والبدنية؛ وهو أمر ظاهر، إذ تحفز هذه الأنشطة على الحركة وممارسة الرياضة، بعيدا عن الشاشات الرقمية والأجهزة الذكية، مما يعزز من الصحة الجسدية ويسهم في إدارة الضغوط النفسية.

خامسا: تحقيق الرفاهية في بيئة آمنة، إذ أكدت دراسة استقصائية نشرت في (Journal of Youth and Adolescence) أن الأنشطة المدرسية المسائية تسهم في تعزيز السلوكيات الحسنة، والحد من احتمالية انخراط الطلبة في سلوكيات منحرفة، مثل: ارتكاب جريمة أو تعاطي المخدرات. وهذا بدوره يسهم في تمكين الأسرة العاملة وإتاحة الفرصة للوالدين العمل في الفترات المسائية.

سادسا: زيادة معدلات التوظيف للكوادر الوطنية، فالبرامج المدرسية المسائية تتيح فرصا وظيفية جديدة، علاوة على أن إكساب الطلبة المهارات الأساسية يمكنهم -بإذن الله- من خوض غمام الحياة بنجاح، ورفع جاهزيتهم لسوق العمل. فقد أظهرت دراسة قامت بها (American Youth Policy Forum) أن البرامج المسائية والصيفية تلعب دورا أساسيا في إعداد الطلاب لمساراتهم المهنية؛ ليس فقط من خلال تطوير المهارات والسلوكيات، بل أيضا من خلال التدريب العملي، ورفع وعيهم بنقاط قوتهم وما يناسبها من الفرص الوظيفية المتاحة.

سابعا: تقليل الزحام والإنبعاثات الكربونية، ففي كل حي مدرسة للبنين والبنات، وبتقديمها لبرامج مسائية متنوعة يمكن للأسر الاستغناء عن قطع المسافات الطويلة للبدائل البعيدة.

ثامنا: تمكين المسؤولية المجتمعية، إذ يمكن أن تتيح البرامج المسائية فرصا متنوعة للراغبين في العمل التطوعي سواء كان ذلك من خلال العمل في تنفيذ هذه البرامج أو المشاركة في أنشطة تطوعية تشرف على تنفيذها تلك البرامج المسائية. كما وجدت دراسة نشرتها (International Journal of Experimental Educational Psychology) أن الطلبة المشاركين في الأنشطة اللاصفية غالبا ما تكون لهم مشاركات فاعلة في الأعمال التطوعية بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية.

تاسعا: ترشيد الإنفاق وتعزيز الإيرادات، فقد أظهرت دراسة قامت بها (Afterschool Alliance) أن البرامج المسائية توفر عائدا استثماريا كبيرا؛ إذ تحقق 3 دولارات أمريكية مقابل كل دولار أمريكي ينفق في هذه البرامج. هذه العوائد يمكن أن تكون إيرادات مباشرة، أو من خلال خفض التكاليف المصروفة جراء ضعف التحصيل الدراسي أو تفاقم السلوكيات المنحرفة بين صفوف الطلبة.

وبعد عرض هذه الثمرات، يلوح في الأفق فرصة ذهبية لوزارة التعليم بتقديم برامج نوعية في المدارس الحكومية، سواء كانت علمية أو ثقافية أو رياضية أو اجتماعية، بالشراكة مع الجهات المحلية المعنية والمنظمات الدولية الرائدة، للمساهمة في بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر لوطن مميز وطموح!

moqhim@