شاهر النهاري

المستفيدون من ديمومة خراب بلدانهم

الاثنين - 14 أغسطس 2023

Mon - 14 Aug 2023

يصور التراث المصري من يعرف كيف يقتنص وينتهز أصعب الفرص، بأنه: (يأكلها وهي ولعة).

لاعب سيرك محتال، يدهن شفتيه بالشحم، ويدني القضيب المشتعل من فمه، ويبتلع الشعلة، ثم يخرجها وكأن شيئا لم يكن، ودون حتى أن يتأثر لسانه ووعيه بما ابتلعه من مادة السبيرتو شديدة الاشتعال.

وذلك حال شطار كثر يستعرضون قوة ألسنتهم هنا وهناك، بعد أن هربوا من أوطانهم، التي حطمتها الفوضى والثورات والحروب والإرهاب، متسابقون إلى دول الجوار، وكل بقدر حظه وهمته، وتطلعاته، وقدرة فمه على نفث اللهب.

مسؤولون قدامى، وشخصيات عامة، وإعلاميون وشبه مثقفين يمتلكون اللسان الناري، والمعلومة والحضور والخدعة، فيتم استضافتهم في الدول الصديقة والإقليمية المستقرة، استضافات كريمة، بغرض إلقاء الضوء على أزمات بلدانهم، والتعليق السياسي على مجريات ما يحدث فيها، لرغبة الدول المستضيفة وإعلامها في اكتشاف خوافي الأحداث، وربما تحريكها، فيوهبون حق الدفاع عن قضاياهم، ومصداقية تفسير خفايا ما يحدث على الأرض المحروقة متقمصين أحوال وألسنة شعوبهم، المنكوبة، المشردة، والتي تعاني الأمرين تحت جور الظلم والاستبداد، والإرهاب.

هؤلاء المنتهزون الشطار، وبحركات بهلوانية مدهشة، لا يلبثون أن يكون لهم مساكن منعمة بديلة في الدول، التي يستضافون فيها، وحياة مستقرة مريحة مرفهة، ويكون لهم مرتبات جزلة، ومدارس لأبنائهم، وعربيات فارهة، وأرائك يتقلبون عليها، أمام العدسات، وسط طيبات مما يشتهون.

ويستمر شريط المآسي والقتل والهدم والتخريب في بلدانهم، وبالمقابل يستمر قطفهم لأنضج الثمار، والمتاجرة بمشاكل المنكوبين.

القلة منهم قد يكون وجودهم مهما مخلصا، حسب ما يقومون به من تنظير وأنشطة وتحركات مفيدة لأوطانهم، بنقل الحقائق للعالم من خلال إطلالاتهم على الشاشات العالمية، وربما يكون لهم أدوار في تحريك سياسة الأحداث.

ولكن الأغلبية العظمى منهم، مجرد ببغاوات بياعي حكي، يظهرون بصور المدافعين عن أوطانهم وعن شعوبهم، وهم يتمنون في دواخلهم لو تستمر الفوضى والحروب عقودا من الزمان، فلا يفقدوا منابرهم ولا ما حازوا من نعيم مقيم، وبحبوحة، وأهمية.

برستيج، وعمل يومي رفيع بالانتقال بين شاشات القنوات العربية والعالمية متسلحين بتنظيرات مكررة، ونوازع مكشوفة، خلقت منهم فئة جديدة من مشاهير النكبات الطارئين على سطح الثقافة العربية، يتاجرون في بقاء الفوضى والحروب والإرهاب في بلدانهم، وهم يعلمون علم اليقين، أن انتهاء أزمات شعوبهم وبلدانهم، ستضطرهم للعودة إلى الظل، وإلى بلدانهم، يخلعون حينها الطنافس، ويرتدون القفازات، ويمسكون بالمونة، للمشاركة في بناء منازلهم، من الصفر، وسط واقع جديد متعب ليس لهم فيه الحضور واللمعة، ولا رخاء العيش.

لمصلحة دولهم، التي أتوا منها، ولمصلحة قضاياهم المعلقة، وقضايا شعوبهم المنكوبة، لا بد للدول، التي تستضيفهم من إعادة النظر في جدوى احتضانهم، وإشهارهم إعلاميا، ولا بد من البحث في منطقية جعلهم من أثرياء الحروب.

الدول المستضيفة لهم يمكنها تحديد الجدوى من وجودهم بصيغة مؤقتة، ودون كرم مغر، حتى لا يستمروا معاول هدم في مسارات قضايا بلدانهم، يعطلون بأمنياتهم وخططهم فرص السلام، وحتى يثبتوا وطنيتهم المجردة، النزيهة عن التكسب من خلف كوارث بلدانهم، وعدم تمديد أضرار تحايلهم على من يستشيرونهم، ومن ينظرون نيابة عنهم، ويمثلون بأنهم يعانون في سيرك الحياة بابتلاع شعل النيران ونفثها ولعة.

shaheralnahari@