فيصل الشمري

السعودية صانعة السلام

السبت - 12 أغسطس 2023

Sat - 12 Aug 2023

إن الدور المحوري الذي تقوم به المملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي يبدو جليا في رعاية المملكة لسلسة المباحثات التي تجري حاليا في مدينة جدة، والتي يدور موضوعها حول سبل إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة حاليا، والتي تقترب من دخول عامها الثاني.

وهناك أداة قاطعة على أن عقد هذه الاجتماعات يمثل انتصارا للدبلوماسية السعودية.

ففي المقام الاول، تبذل المملكة جهود جبارة لدعم السلام العالمي. للأسف، في عالمنا المعاصر، هناك دول لا تسعى إلا للتناحر واقامة الخلافات، وإشعال الحروب.

الدبلوماسية السعودية عكس هذا، لأن الرياض تعمل من أجل السلام، وهو جهد مخلص لا يسعى لأي مكاسب مادية، بل يحاول إنهاء الحروب التي تدمر البشرية.

والعامل الآخر هو أكبر، عن كيف جعلت السعودية نفسها لاعبا في التوازنات السياسية والاقتصادية بين الشرق والغرب.

السعودية تقوم بدفع معطيات الاستقرار ليس فقط في منطقة الخليج، بل في الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي والقارة الأفريقية، بل يشمل هذا المنهج الداعي للاستقرار كل دول العالم، ومناطقه الجغرافية المختلفة.

رعاية السعودية لمفاوضات إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، هو فهم لطبيعة الاستراتيجية الدولية، والتي يقوم منطقها على الأهمية القصوى للكتلة القارية المعروفة باسم أوراسيا.

أوراسيا هي الرؤية الشاملة للعالم، وهي أساس تصارع القوى الكبرى، وهي الساحة الشاسعة التي دارت في أرجائها معظم الحروب في تاريخ البشرية، معنى هذا أن السعودية لديها فهم عميق لشكل الصراعات الأوروبية - الآسيوية، وهذا يجعل السعودية ليس فقط كيانا محوريا في أوراسيا، بل قوة سياسية كبيرة تحاول ترتيب البيت الأوراسي، مما يحقق توازنا في القوى بين أوروبا وآسيا، وبين الدول الكبرى والدول متوسطة القوة، وليس أخيرا التوازن بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية.

وهناك مساهمة أخرى مهمة تقوم بها السعودية فيما يتعلق بمؤتمر جدة، نصها أن هنالك قواعد ومبادئ للنظام الدولي، تقوم وتقر على احترام الدول على سيادتها الوطنية وعلى أراضيها، وأن التفاوض وإنهاء المنازعات هو أساس تعامل الشعوب ودول العالم المختلفة بعضها مع البعض.

يحضر قمة جدة حوالي 40 دولة، هذا أيضا يمثل نجاحا للدبلوماسية السعودية، لأن معنى هذا أن السعودية تستطيع حصول موافقة أكبر عدد من الدول على مبادراتها للسلام نحو كل من روسيا وأوكرانيا، فهي تحاول الحصول على موافقة شبه جامعة لما ستكون عليه أسس السلام بين روسيا وأوكرانيا.

لا شك أن هذه الخطوات تمثل بدايات طيبة لتفعيل عملية السلام بين موسكو وكييف، ويمكن الإشارة أيضا إلى المهارة العالية وكفاءات المسؤولين عن السياسة الخارجية للمملكة السعودية.

إن اجتماعات جدة لم يكن بالإمكان عقدها دون الخبرة العريضة والممتازة التي يملكها أقطاب السياسة الخارجية السعودية في فهم الأوضاع الدولية، لإقناع كل الأطراف المرتبطة بصراع ما، بأن السلام هو في مصلحة بلادهم.

ولا شك أن قمة جدة الخاصة بالحرب الروسية - الأوكرانية، هي إعلان صريح وعلني على الحكمة والرؤية الثاقبة لجلالة الملك سلمان، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فقد استطاعا تغيير الموقف الدولي من ضرورة استمرار الحرب، إلى الأهمية العاجلة لوقف نزيف الدماء بين الدولتين.

لقد بعثت السعودية برسالة مهمة للعالم مفادها أن كل شعوب العالم قد تضررت من حرب روسيا وأوكرانيا، وأن هذه حرب خاسرة للجميع، لذا يجب أن يكون هناك مجهود دولي كبير دائم لإنهاء هذا النزاع.

السعودية لم ترفض أية مبادرة دعت لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا، فقد رحبت بمبادرة الصين لإنهاء النزاع الأوكراني - الروسي.

كما أن المملكة تدعم محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإقامة هدنة بين روسيا وأوكرانيا، ويمكن الإشارة أيضا إلى نقطة مهمة ألا وهي، الرد المهذب عفيف اللسان الذي أعلنته السعودية لكل من أشار بعدم أهمية اجتماعات جدة، نظرا لغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تلك القمة.

الرد السعودي الذي تميز بالذكاء هو أن الرئيس بوتين يرحب كل الترحيب بهذه المبادرة السعودية، بل يتابع أعمالها.

وتدرس وزارة الخارجية الروسية كل جلساتها بعناية فائقة، لأن موضوعاتها لها أهمية قصوى لمسار روسيا الحاضر والمقبل في حربها ضد أوكرانيا.

الواقعية السياسية هي منهج السعودية في التعامل مع الأزمات الدولية، ومن منطلق هذا المنهج، تسعى السعودية لإقناع أطراف النزاع في روسيا وأوكرانيا بأن المصالح القومية العليا لهما تكمن في وقف القتال، وبدء المفاوضات لإقامة سلامة دائم بين هاتين الدولتين المهمتين.

لن يكون أمرا سهلا، لأن إقناع روسيا بالتفاوض حاليا أمر صعب للغاية، والمفاوضات في مجمل موضوعاتها ستكون أمرا شاقا لأقصى درجة، وربما تكون في رسالة الرئيس الأوكراني زيلينسكي، والتي وجهها إلى المؤتمر بعض معالم التفاؤل، لأن هذا معناه أن أوكرانيا على استعداد للتعاون فورا مع اجتماعات جدة.

قد يكون هذا إشارة لتنازلات عدة قد تقدمها أوكرانيا لروسيا لوقف الحرب.

في هذه الحالة، ستقوم السعودية بتشكيل فريق دولي من حكماء الساسة وأقطاب السياسيين الخارجية، لحمل أي اقتراحات من أوكرانيا إلى الرئيس بوتين وحكومته.

في هذه الحالة ستكون هناك مناقشات حادة وحامية داخل أروقة الكرملين بين أعضاء القيادة الروسية حول قبول أو رفض المقترحات التي حملها الوفد الدولي بقيادة السعودية، هذا أمر جيد وصحي، لأن إنهاء حرب أمر ليس سهلا، فهذه طبيعة الحروب على مدار التاريخ الإنساني.

المملكة تستطيع كسب ثقة الرئيس بوتين والقيادة الروسية السياسية والعسكرية لسبب بسيط وواضح، ألا وهو أن كل الدول تثق في السعودية.

إحدى مشكلات العلاقات الأمريكية - الروسية، والتي كانت أحد أسباب الحرب الروسية - الأوكرانية، هي عدم ثقة روسيا بسياسات إدارة الرئيس بايدن تجاه موسكو، لكن مرة أخرى دول العالم تثق في السعودية وحكمة ملكها، لذا ستكون اجتماعات جدة الإطار الأساسي لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

mr_alshammeri@