نمر السحيمي

رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين

الخميس - 10 أغسطس 2023

Thu - 10 Aug 2023

صدر مؤخرا قرار مجلس الوزراء بإنشاء (رئاسة للشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي) ترتبط تنظيميا بالملك، وينقل إليها اختصاصات ومهمات وأعمال الإشراف على شؤون الأئمة والمؤذنين في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكل ما يتصل بالشؤون الدينية بهما، بما في ذلك الحلقات والدروس العلمية داخلهما، وعين الدكتور عبدالرحمن السديس رئيسا لها بمرتبة وزير.

ويعني هذا الإجراء فصل كل العمل الأساسي للحرمين الشريفين أو الدور العبادي والعلمي والتوعوي والإرشادي والتوجيهي لهما ونقله لهذه الرئاسة.

نفهم من ذلك إدراك القيادة الرشيدة لأهمية دور الحرمين الشريفين العبادي والعلمي والتوعوي.. إلخ في حياة المسلمين وترقية هذا الدور ليكون العمل من أجله تخصصيا؛ بعيدا عن ضمه مع اختصاصات أخرى كأعمال الخدمات أو العناية بشؤون الحرمين؛ التي فصلت هي أيضا بتحويل رئاسة الحرمين السابقة إلى هيئة عامة باسم «الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي».

وإذا نظرنا لاختصاصات ومهام الرئاسة الجديدة بتفاصيلها الواردة بقرار مجلس الوزراء نراها كما يلي:

أولا: الإشراف على شؤون الأئمة والمؤذنين: وهو اختصاص بالغ الأهمية لتعلقه بنموذج القدوة التي يجب أن تُمثل الإسلام الوسطي، فالأئمة والخطباء والمؤذنون في الحرمين يقفون على المنابر والمحاريب التي وقف عليها خير قدوة نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار رضي الله عنهم وسلف الأمة الصالح، لذا فسيكون الاختيار لهذه المهمة صعبة للغاية، وهذا ما جعل قرار إنشاء هذه الرئاسة ينص على ارتباطها تنظيميا بالملك حفظه الله، وهو ما سينعكس على جودة ما سيقدم عبر منابر الحرمين إذا عملت هذه الرئاسة على تحقيق تطلعات ولاة الأمر فيما يخص إجراءات اختيار الأئمة والخطباء والمؤذنين في الحرمين وفق أعلى مقاييس الاختيار، بالذات فيما يخص التوافق في الجوانب الفكرية توافقا كاملا مع الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح رحمهم الله.

ثانيا: الإشراف على كل ما يتصل بالشؤون الدينية بالحرمين، بما في ذلك الحلقات والدروس العلمية داخلهما: وهذا الاختصاص هو الاختصاص الذي تنضبط به المهمة الأساسية للحرمين الشريفين كصرحين عظيمين يبث منهما العلم النافع للبشرية جمعاء، سواء كان هذا العلم من خلال خطب الجمعة أو العيدين أو من خلال حلقات العلم أو الدروس العلمية التي يجتمع عليها المسلمون وطلاب العلم من كل دول العالم.

وما أراه جديدا في هذا الاختصاص هو أهمية التنوع العلمي في الحلقات والدروس العلمية داخل الحرمين الشريفين حتى لا تكون هذه الحلقات والدروس محتكرة لمذهب فقهي واحد أو اثنين بل تكون لكل المذاهب الفقهية التي اجتمعت عليها الأمة، مع التنوع العلمي في مجالات العلوم الدينية الأخرى دون احتكار يختزلها في إطار ضيق.

ولا شك أن هذا التنوع العلمي المراد أن تضطلع به الحرمين الشريفين ليتحقق دورهما الإيجابي في حياة المسلمين هو تنوع علمي يتوافق مع رؤية المملكة 2030 حيث أكد ولي العهد محمد بن سلمان وقال: «لدينا أربع مدارس فقهية، وهي المذاهب الأربعة: الحنبلية، الحنفية، الشافعية، المالكية، وهي مذاهب تختلف فيما بينها في بعض الأمور، وهذا أمر صحي ورحمة»؛ وحول ذلك أكدت دراسة لمركز المسبار للبحوث والدراسات عام 2015 أن تحقيق التنوع العلمي هو ما تنظر له «رؤية المملكة 2030» كعامل قوة وثراء، وتريد تحويل هذا التنوع العلمي إلى عنصر جذب، بوصف المملكة دولة إسلامية عربية كبرى، منفتحة على مختلف الأديان والمذاهب والثقافات، وهي بذلك تحمل مشروعا نابذا للخطابات الطائفية وأفكار التطرف والإرهاب.

في الختام، لا يسعني إلا أن أهنيء الدكتور عبدالرحمن السديس على هذه الثقة الملكية الغالية ليكون على رأس هذه المؤسسة التي تعلق عليها المملكة الآمال لنقل الصورة الحقيقية للإسلام الوسطي السمح من خلال الحرمين الشريفين لكل سكان الأرض، وفقه الله وأعانه.

alsuhaimi_ksa@