خالد العويجان

تجار القوة بالقارة السمراء

الاثنين - 07 أغسطس 2023

Mon - 07 Aug 2023

يصمت العالم والحديث يأتي من القارة السمراء، والصدى في باريس، وربما من عاصمة القيصر، وعواصم أوروبية، وحتى واشنطن. ليس من أجل الإنسان، إنما على أساس المصالح.

المناجم تريد من يضعها في قواميسه، والنفائيس ليست من حق الشعوب، هي لمن يأتي في الظلام، ويحملها، ويضع بعضا من فتات الدولارات، والشعوب تنظر بلا تصرف، وحتى الرؤساء في بعض الأحيان.

في القارة السمراء، التاريخ يتحدث ويعيد نفسه، الصفحات مليئة بالرصاص، وأصوات هدير الطائرات، وأزيز الدبابات، والمأساة تتعاظم بسبب تقدم أحد الأطراف المتنفذة والتي تملك زمام المال والسلاح.

في المشهد العام، قوات منحدرة أساسها إطار الأخوة، أو على الأقل بعيدا عن وصف القوات حتى أبتعد عن فكرة العسكرة؛ يمكن القول إنها؛ طبقات من الساسة يفترض أن تجمعهم دوائر الأخوة في الإنسانية والوطن، لكنها بعيدة كل البعد عن هذا وذاك.

في القارة السمراء، دول شاسعة، بمكامن قوة اقتصادية وشعبية لم تستغل بعد.

سلم الجميع إرادته للقادم من الشرق، انشغلوا ربما بالتداخلات والتعقيدات الاثنية والعرقية والقبلية.

جاء اللص من بعيد مستغلا هذا النمط الاجتماعي والسياسي المعقد، واستثمر في ذات الوقت المساحة الكبرى التي تجدها أي شرارة تؤدي للفتنة والخروج عن نصوص الحكمة في السياسة والإنسانية.

في القارة السمراء التجارب تشبه بعضها البعض، تجربة النيجر على سبيل المثال، شبيهة إلى حد كبير لتعقيدات السودان، والاختلاف في التفاصيل.

هناك انقلاب واضح المعالم على شرعية رئيس منتخب.

وفي السودان رئيس نهب الدولة لأكثر من ثلاثين عاما هو وأسرته والمحسوبين عليه، وجاء الجيش كمنقذ للبلاد والعباد، ولم يفتأ إلا ودخل على الخط من يرى نفسه قائدا عسكريا فذا، له حق في الحصول على مقعد في الدولة التي تحولت إلى أن تدار برأس رجلين.

في القارة السمراء أجندات غالبها شخصي وفردي، لطالما قسم العالم إلى فسطاطين، أحد «من العالم» يجد نفسه مضطرا للوقوف مع أحد ضد آخر، وبعض «من العالم» يجد نفسه مضطرا لبناء موقفه بناء على مصالحه في تلك الدول التي تشهد كثير امن الهرج والمرج.

في القارة السمراء السيناريو واحد منذ قرون من الزمن.

الانقلابات والاضطرابات والانفلات سيد المشهد، وحتى المنظمات السياسية والاقتصادية في تلك القارة أشبه إلى أن تكون على ورق، لا صوتها مسموع، ولا قرارها نافذ.

يجتمع الرؤساء سنويا حول طاولة، وتخرج بيانات تضع الشعوب في أول بنودها؛ إلا أن الشعوب ليس لها أكثر من سماع توصيات تلك الاجتماعات، لا أكثر ولا أقل.

في القارة السمراء الحابل منذ عقود يختلط بالنابل. والثروات في باطن الأرض ليست للإنسان، إنها لحامل الحقيبة المليئة بالعملة الصعبة، والعملة الصعبة بنهاية الأمر يتم اقتسامها على مجموعات من المتنفذين وأرباب السياسة، والشعوب لا لها من هذا وذاك أكثر من تلقي حديث الإعلام الغربي عن ثروات دولهم.

في القارة السمراء دول أشبه بالدول، وسياسة ليس لها من السياسة أكثر من العنوان، لأنها دول اعتادت تسليم القرار للخارج، المتحكم الأساسي وراء الحدود.

ومن هم داخلها من بشر، لهم فقط خيار أن يكونوا ردود فعل على انقلاب ما، أو انفلات ما، أو حرب كُتب لها أن تندلع هنا أو هناك.

في القارة السمراء الدول تحولت إلى أشبه بمعتقلات كبيرة.

الجوع والفقر والتشرد سيد الصورة الكبرى القادمة من هناك، وهذا واقع لا يمكن إنكاره مهما بلغ الأمر.

الحقيقة لا يمكن لها أن تختبئ وراء الأصابع، الحقيقة هي التي تشاهد لا تلك التي تروى من صالونات السياسة وراء أسوار القصور العالية.

إنه الثمن الذي لطالما حملت فاتورته شعوب المنطقة.

في السياسة العميقة لتلك الدول، الاعتماد بدرجة كبرى على تهيئة الشعوب على القبول بأسوأ الأحوال.

بمعنى أن الشعوب حاضرة لقبول أي انقلاب معين، مقابل عدم حصول تحولات كبرى في الشكل العام للدولة، التي يمكن لها أن تشهد حالا كالذي أسلفت.

أتصور أن القارة السمراء بالمجمل، تعاني من عدم وجود فكرة ما يسمى بـ «الدولة العميقة»؛ التي من شأنها رسم استراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى، وهذا له مبرراته، التي ربما أهمها، اعتياد الذهنية العامة للساسة والشعوب على فكرة عدم الاستقرار، بحكم التاريخ المثبت لهذه القارة الجريحة.

في الحروب بالمطلق، هناك قاعدة عامة كبرى، تقوم على مبدأ «صفري».

أي أن جميع الحروب في التاريخ والعالم، تقوم على فكرة «ما يخسره هذا، يكسبه ذاك؛ وما يكسبه ذاك بالضرورة أن يخسره هذا».

في أفريقيا المعادلة منقلبة.. وهذا بعض من تفردها بالخصوصية دون غيرها؛ فالنزاعات التي تتكرر في أفريقيا؛ تقوم على «ما يخسره هذا، يخسره ذاك».

وفي كلتا الحالتين، الشعب هو أول وآخر الخاسرين، لأنه ضحية لـ «تجار القوة».. «لهم الله».