ميكافلي وما قبل كتابه!
الاثنين - 07 أغسطس 2023
Mon - 07 Aug 2023
ميكافلي المولود سنة 1469م والمتوفى سنة 1527م، والذي ألف أشهر كتاب في السياسة، وهو كتاب الأمير، الكتاب الذي نال من الثناء واللعنات ما لا يحصى ونسبت إلى اسمه كل نقيصة ونكبة وعنف، وهنا نتأمل حياة ميكافلي قبل الكتاب، ولعلي أنقل هنا أبرز نقد عادل ومنطقي وجه إلى ميكافلي أنه تم التعبير عنه بأنه «يعلم الماضي جيدا، ويعرف كيف يستخلص النتائج منه والاستفادة القصوى منه، ويتنبأ بشكل جيد بالمستقبل لدرجة مذهلة، لكنه فشل فشلا ذريعا في الحاضر فخسر الكثير».
خسر لما تحالف مع الأمير الخاسر ضد الإسبان، وحتى لما رضي آل مدتشي عنه لم يبقوا في حكمهم سوى عامين، فهل كان ميكافلي شؤما على من حوله؟!
هذه العبارة تلخص حياة ميكافلي ما قبل كتاب الأمير، فرغم دهائه إلا أنه لم ينفع نفسه، بل بعد سقوط سوديريني وسقوط نيقولا ميكافلي معه إلا وبات الأخير يستجدي من أجل الحصول على منصب سياسي حتى يعود للواجهة.
برغم الإجماع حول صفاته النبيلة، حيث وصف أكثر من مرة بأنه كريم العطاء أمين وكذلك ذو رأي وحكمة ورؤية ومتسامح كما أنه شجاع، فلمَ لم يتنبأ لنفسه بما متوقع أن يحصل له، بل لماذا لم ينقذه دهاؤه عندما وقع من ظهر الوظيفة المرموقة، ربما لأن النظرية لها أناسها الذين يجيدون التعبير عنها جيدا، بل هم خلقوا للتنظير (وهذا ليس عيبا، إنما دور في الحياة) وآخرون لهم في التطبيق العملي أكثر من غيره، وربما طبق عمليا وحرفيا للنظرية، لكن دون أن يكون له وجهة نظر أصلا ودون أن يكون له مرجع نظري، والعظمة بكل تأكيد تكمن في اجتماع النظرية والتطبيق في الوقت المناسب والمكان المناسب حتى تحدث الصورة المثالية للتغيير.
يقول ميكافلي – وربما قالها عن نفسه قبل أن يقولها عن غيره – حكمة ربما تسير فيها الركبان: «من يحرم ذاته خشية غيره، يضحي بنفسه دون أن يشعر به أحد.» وحتى لو شعر به أحد، فقد فاز من لم يحرم ذاته!
ما فتئ ميكافلي يطلب المنصب حتى بعث إلى أحد أصدقائه: «أترضى أن أبقى في دائرة النسيان، لا أجد رجلا واحدا يذكر أعمالي ويقدر نفعي؟! إنه يستحيل أن تطول عزلتي وانقطاعي عن العمل إن قواي تكاد تفنى في ظلال الفراغ والفاقة» هكذا يطلب الرجل الذي يعلم الناس الوصول بأدهى الطرق وأعنفها للقمة، لم يصل إلى شيء حتى مات وحيدا مريضا، وقد يكون ذكيا يستحق الرفعة والمنصب ولكن الظروف المحيطة أقل من مستوى ذكائه وقد يحدث هذا، فليس دائما العيب في الرجل، فالعيب أحيانا في الظروف!
هذا النص يلخص حالة ميكافلي حتى تفرغه للكتابة، ولم يبدأ ميكافلي بالكتابة إلا في سن الرابعة والأربعين وهو في سن كبير نسبيا، وأيضا لم ينشر في حياته إلا كتابا واحدا ليس كتاب الأمير من بينها ولم يحتف به أحد في حياته أو بعد مماته مباشرة، ولكن احتفى به الآخرون بعد موته بمئتي سنة تقريبا، بل ثمة رؤية دارت حول كتاب الأمير، أيدها الفيلسوف الإنجليزي بيكون الذي يرى في كتاب الأمير، تعليما للناس بطريقة غير مباشرة والدليل على هذا أن أكثر الناس احتفاء به هم الناس أنفسهم، ودافع عنه روسو بكلام لطيف، وتجنب فولتير النيل منه برغم الزج به على هذا الطريق من قبل الملك فريديك.
أخيرا حياة ميكافلي ما قبل الأمير، تقول لك بصريح القول لا مواربة فيه، هذا الشخص العنيف كتابة كان لطيفا في حياته، وأن شروطه القوية باتت في حياته تملقا من أجل منصب، وأن النظرية ستبقى نظرية لا يقوّيها إلا العمل حتى لو دعمها العقل والمنطق، وأن الناس مركونين إلى إنجازاتهم أكثر من أفكارهم فالنتائج تبهر أكثر من الكلام!
Halemalbaarrak@
خسر لما تحالف مع الأمير الخاسر ضد الإسبان، وحتى لما رضي آل مدتشي عنه لم يبقوا في حكمهم سوى عامين، فهل كان ميكافلي شؤما على من حوله؟!
هذه العبارة تلخص حياة ميكافلي ما قبل كتاب الأمير، فرغم دهائه إلا أنه لم ينفع نفسه، بل بعد سقوط سوديريني وسقوط نيقولا ميكافلي معه إلا وبات الأخير يستجدي من أجل الحصول على منصب سياسي حتى يعود للواجهة.
برغم الإجماع حول صفاته النبيلة، حيث وصف أكثر من مرة بأنه كريم العطاء أمين وكذلك ذو رأي وحكمة ورؤية ومتسامح كما أنه شجاع، فلمَ لم يتنبأ لنفسه بما متوقع أن يحصل له، بل لماذا لم ينقذه دهاؤه عندما وقع من ظهر الوظيفة المرموقة، ربما لأن النظرية لها أناسها الذين يجيدون التعبير عنها جيدا، بل هم خلقوا للتنظير (وهذا ليس عيبا، إنما دور في الحياة) وآخرون لهم في التطبيق العملي أكثر من غيره، وربما طبق عمليا وحرفيا للنظرية، لكن دون أن يكون له وجهة نظر أصلا ودون أن يكون له مرجع نظري، والعظمة بكل تأكيد تكمن في اجتماع النظرية والتطبيق في الوقت المناسب والمكان المناسب حتى تحدث الصورة المثالية للتغيير.
يقول ميكافلي – وربما قالها عن نفسه قبل أن يقولها عن غيره – حكمة ربما تسير فيها الركبان: «من يحرم ذاته خشية غيره، يضحي بنفسه دون أن يشعر به أحد.» وحتى لو شعر به أحد، فقد فاز من لم يحرم ذاته!
ما فتئ ميكافلي يطلب المنصب حتى بعث إلى أحد أصدقائه: «أترضى أن أبقى في دائرة النسيان، لا أجد رجلا واحدا يذكر أعمالي ويقدر نفعي؟! إنه يستحيل أن تطول عزلتي وانقطاعي عن العمل إن قواي تكاد تفنى في ظلال الفراغ والفاقة» هكذا يطلب الرجل الذي يعلم الناس الوصول بأدهى الطرق وأعنفها للقمة، لم يصل إلى شيء حتى مات وحيدا مريضا، وقد يكون ذكيا يستحق الرفعة والمنصب ولكن الظروف المحيطة أقل من مستوى ذكائه وقد يحدث هذا، فليس دائما العيب في الرجل، فالعيب أحيانا في الظروف!
هذا النص يلخص حالة ميكافلي حتى تفرغه للكتابة، ولم يبدأ ميكافلي بالكتابة إلا في سن الرابعة والأربعين وهو في سن كبير نسبيا، وأيضا لم ينشر في حياته إلا كتابا واحدا ليس كتاب الأمير من بينها ولم يحتف به أحد في حياته أو بعد مماته مباشرة، ولكن احتفى به الآخرون بعد موته بمئتي سنة تقريبا، بل ثمة رؤية دارت حول كتاب الأمير، أيدها الفيلسوف الإنجليزي بيكون الذي يرى في كتاب الأمير، تعليما للناس بطريقة غير مباشرة والدليل على هذا أن أكثر الناس احتفاء به هم الناس أنفسهم، ودافع عنه روسو بكلام لطيف، وتجنب فولتير النيل منه برغم الزج به على هذا الطريق من قبل الملك فريديك.
أخيرا حياة ميكافلي ما قبل الأمير، تقول لك بصريح القول لا مواربة فيه، هذا الشخص العنيف كتابة كان لطيفا في حياته، وأن شروطه القوية باتت في حياته تملقا من أجل منصب، وأن النظرية ستبقى نظرية لا يقوّيها إلا العمل حتى لو دعمها العقل والمنطق، وأن الناس مركونين إلى إنجازاتهم أكثر من أفكارهم فالنتائج تبهر أكثر من الكلام!
Halemalbaarrak@