بسمة السيوفي

عازب وعزباء

الأحد - 06 أغسطس 2023

Sun - 06 Aug 2023

تزوجت ابنة صديقتي من شاب تبين بعد عقد القران أنه أرعن وليس ذا كفاءة، فحدث الطلاق رسميا قبل أن يبني بها.. فكتبت في السجل المدني «مطلقة».. وعاد هو ليصبح في بطاقة الأحوال «أعزب»؟! المعنى الجامع لمفهوم الرجل الأعزب أنه الرجل الذي لا زوج له، والمرأة العزباء هي التي لا زوج لها، والعَزَبُ من لا زوج له، رجلا كان أو امرأة.

والمرأة المتعزبة أو المعزابة هي من تركت النكاح.

تخيلوا أن المرأة البكر لا زالت تكتب في خانة الحالة الاجتماعية في سجل الأحوال المدنية «مطلقة»، بينما تكون هي من تخلت عن تراض وتشاور.

هو أمر يحتاج إلى تفنيد ومناقشة لرفع التحيز المحتمل ضد المرأة والبحث في أسسه وتفكيكه.. وفهم وضعيتها وواقعها الذي يتحول إلى الأفضل في المملكة العربية السعودية.

الامتنان جليل لكل ما تحقق في الستة أعوام الماضية.. ست سنوات ضوئية مدعومة برؤية القيادة الحكيمة والتخطط والعمل، نالت فيها المرأة حقوقا كثيرة ومكاسب عظيمة، فالخطى حثيثة نحو تحقيق المساواة التكاملية بين الرجال والنساء في المجالات المتنوعة، عبر تعزيز حقوق المرأة، وتكثيف برامج الدعم والرعاية الموجهة لها.

هناك مساواة في بيئة العمل والأجور وفق قانون للعمل، مساواة في التعليم والتدريب، المنح والإعانات، برامج الدعم الاجتماعي، الصحة، تمكين المرأة في البيئة العدلية، تواجدها في البيئة الحكومية وقياديات الوزارات، مما يسهم في كبح الفساد.

ولعل من المفيد أن أؤكد أنه عند رصد التطور المتسارع لوضع المرأة أجدني ممسكة بواقع يحدث، وبخيال تحقق، فقد عاصرت «التابوهات» السابقة التي كان يصعب اختراقها.. وحتى لو حدث أن خرجت المرأة في ذاك الزمن على «ذاتها الأنثوية بإنجازاتها المجتمعية.. فستجابه بعدم الإيمان بما تفعل، من قبل الجمع الذكوري، وستهمش فقط لأنها أنثى».

وأشير هنا إلى نظام الأحوال المدنية في المملكة الذي يستند إلى النظام الصادر منذ عام 1407هـ بمرسوم ملكي رقم م/ 7 إبان عهد الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه.

وإلى اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية المعمول بها وفق قرار رقم 27910/39 في 1432هـ وعدلت بعض موادها عام 1441هـ و 1443هـ - ويقتضي سجل الواقعات في نص النظام قيد الحالة المدنية للسعوديين وغيرهم وفق ما ورد في المادة 25 عبر تسجيل البيانات الرئيسة (6 بنود) والبيانات الفرعية (11 بندا) ومن ضمنها الحالة الاجتماعية لكل مواطن/ة عند تسلم وثيقة الزواج أو الطلاق، أو حكم التطليق أو المخالعة والمراجعة.

وعلى الزوج أو الزوجة التبليغ، ويجوز لوالد الزوج أو الزوجة أو أحد أقربائهما القيام بذلك.

بعدها تعود المرأة المطلقة لحوزة والدها فتضم إلى سجل الأسرة بعد التحقق من تسجيل واقعة الطلاق.

لدينا.. يحق للفتاة السعودية أن تحصل على إثبات الهوية اختياريا منذ سن العاشرة إلى الخامسة عشرة بعد موافقة ولي أمرها، أما بعد الخامسة عشرة فيصبح إلزاميا استخراج الهوية، وهي ميزة تهب الفتاة الصفة الاعتبارية وتتيح لها التمكين شيئا فشيئا إلى أن تصبح لها الأهلية التامة، حيث تعتمد أنظمة المملكة المستمدة من الشريعة الإسلامية على مبدأ المساواة التكاملية بين الذكر والأنثى، مع مراعاة خصائص وسمات كلا الجنسين، لتحقيق العدل في نهاية المطاف.

فنجد أنه يحق للمرأة الحصول على صورة رسمية طبق الأصل من القيود المسجلة في سجلات الأحوال المدنية المتعلقة بها أو بأصولها أو بأولادها أو بزوجها وفق المادة 71.

كما تقوم محاكم الأحوال الشخصية بالنظر في طلب التزويج لمن لا ولي لها، ولمن كان لها أولياء ولكن عضلها أولياؤها أي منعوها من التزويج.

كلها أنظمة تبشر باستقامة مسار العلاقة بين الرجل والمرأة، وبالتالي تنظيم إجراءات الزواج والانفصال بشكل يحقق العدالة ما أمكن، فكيف السبيل بعد كل هذا وما زال المطلق يعود أعزبا وتسجل هي مطلقة؟

السؤال المؤلم المتكرر هنا: هل ما زالت المرأة هي الحلقة الأضعف في منظومة متطورة تدعم مشاركة النساء في الحياة العامة؟ وهل اللوائح الإجرائية مجرد نصوص توجيهية، وما يتم من ممارسات يناقض التطبيق الفعلي؟ أتكلم عن هذا الشأن وأنا أعي أن تفعيل قوانين الأحوال الشخصية قد دخل حيز التنفيذ بعد التعديلات الأخيرة، وأنه قد روعي في إعدادها أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية التي تواكب مستجدات الواقع ومتغيراته، وأننا إذا تفكرنا لوهلة سنجد أن مجرد استحداث نظام خاص بالأحوال الشخصية والبدء في تطبيقه يعكس التزام القيادة بنهج التطوير والإصلاح.

ولا أدري إن كنا على عتبات صدور مدونة الأسرة التي ستزيد بالتأكيد من مكاسب الوطن وستصون وتحمي العلاقات الأسرية بشكل أكبر، وستعزز الاستقرار الأسري وتمكن المرأة من ممارسة حياتها بشكل عادل أكبر حتى لو كانت ضحية ذكر أخرق.

هي دعوة للعدالة في صياغة النصوص بالابتعاد عن المبهم (إن كان هناك مبهم)، هذه هي النقطة الأولى، وإشراك المرأة في وضع التعديلات للقوانين واللوائح على المستوى الوطني.

أما النقطة الثانية فهي أن يتم مساواة المرأة والرجل في التعبير عن الحالة الاجتماعية بعد الطلاق بلفظ عازب وعزباء.. أو حتى مطلق ومطلقة، وأن يوضع بين مزدوجين كلمة (معدد) في حالة الرجل المتزوج أكثر من واحدة.

هي تدابير تسهل معرفة خلفية الرجل والمرأة قبل الزواج للأسر وللجهات المعنية.

فلماذا مثلا لا تحدد الحالة الاجتماعية عندما تطلق المرأة الرجل بعد أن اشترطت العصمة؟ ولماذا لا تكتب عندما يكون التفريق من القاضي بين الزوجين إن خافا أن يقيما حدود الله، ولماذا لا تكتب عندما يكونا قد تفرقا بعد أن افتدت نفسها وردت عليه حديقته عبر المخالعة؟ ولماذا لا زال يعود هو أعزبا وتكتب هي مطلقة؟

لست من النسويات لكني مع العدالة في الممارسة والتطبيق.. وليس انتصارا للمرأة أو تحريضا على من طلقها.. بقدر ما هو استنكار لحالة.

وعندما أرى تحيز التطبيق بالرغم من تطور اللوائح.. أفكر تلقائيا في حفيدتي جود.. في الجيل القادم والزمن الأصعب القادم، الفرص ستكون كثيرة والخلط بين التقنين والممارسة يصيب بالحيرة، فلا بد لمفاصل الأنظمة أن تحميهم، لابد من سد الثغرات المحتملة عبر التعديل والتجديد.

كنا وما زلنا نفخر بالانتماء لوطن شامخ نحب ترابه ونفديه بغرف القلب الأربعة.. وحق على أجيال المستقبل أن تفخر بما يتم إنجازه وتشريعه وتطبيقه الآن.

وعلى العزباء والعازب السلام.

smileofswords@