عبدالله العولقي

تغريبة القافر وجائزة البوكر

الثلاثاء - 01 أغسطس 2023

Tue - 01 Aug 2023

بدأ الروائي العماني زهران القاسمي إبداعيته الأخيرة «تغريبة القافر» الفائزة بجائزة البوكر بنمطية سينمائية بديعة، جغرافيا ريفية عمانية، جمل الحوار موغلة في الشعبية المحلية، الاستهلال الروائي ينشأ عن رجل يضرب الأرض بخطواته المتسارعة صارخا عن غريقة وجد جثتها في أعماق الجب، وهنا يتسارع الأهالي نحو البئر ومعها تتسارع دقات قلوبهم استفسارا عن هوية الغريق، هل هو من أهل القرية أم أجنبي عنها؟ هل مات الغريق غدرا بدافع الانتقام أم زلت به القدم وسقط في جوف البئر؟.

يتمكن الناس من انتشال الجثة ويتم التعرف عليها، هي إحدى سيدات القرية ولكن أثناء غسلها وتجهيزها للدفن تكتشف إحدى النساء وجود طفل حي بين أحشاء الغريقة، وهنا يكثر الجدل حول كيفية التعامل مع الأمر، لكن إحداهن استلت سكينا وتجرأت ببقر بطن الميتة واستخراج ذلك الطفل الذي سيصبح بطل هذه الرواية الخيالية، سالم بن عبدالله الملقب بالقافر، أي الذي يقتفي أثر الماء، بعد ذلك يعود الروائي بذكائه إلى شرح حالة هذه الأم الغريقة، والتي كانت مبدعة في خياطة وتطريز ملابس أهل القرية، ثم أصابها مرض الصداع المزمن والذي عجزت عن إيجاد أي علاج سوى أن تدخل رأسها في جرة الماء الكبيرة، حيث تجد عافيتها هناك، إلى أن وجدت صوتا غيبيا يناديها فتحركت باتجاهه نحو البئر حتى سقطت في ظلماتها علها تجد راحتها في أعماق تلك المياه السحيقة.

هذه باختصار مقدمة الرواية والتي تتوالى الأحداث فيها بعد ذلك بصورة ابتكارية مستحدثة على أدب الرواية العربية، حيث يكبر هذا الطفل وتكبر معه خارقيته في سماع صوت الماء تحت طبقات الأرض ومعرفة مكامنه الباطنة، ولا شك أن القارئ أثناء تناوله لهذه الرواية سيشعر أن الفكرة المحورية تدور حول مركزية الماء، فهو العامل المشترك في العقدة الرئيسة وفي كافة العقد الثانوية التي تمتلئ بها أحداث الرواية، أما سردية الرواية فلا شك أن الكاتب من خلال خبرته قد أبدع في سردية الأحداث بصور متدفقة كسريان الماء حتى تصنع الدهشة في نفس القارئ، وربما يكون الكاتب قد اتخذ من منهجية القمة والقاع أثناء تناول ثنائية العقدة والحل في تسريد أحداث الرواية المائية حتى تصبح أكثر شغفا وحيوية في مجرى الأحداث.

الحقيقة.. إن الرواية أدهشتني في قراءتي الأولى لها وأعتبرها إنجازا في تاريخ الرواية العربية، كما أنها تمثل تطورا في نمطية السرد ومنهجية الحبكة الروائية، والحق أنها تصلح أن تتحول بامتياز إلى فيلم سينمائي يترجم إبداع الكتابة الروائية وسيكون عملا استثنائيا إذا اكتملت أركانه الإبداعية.

النقطة التي أخذتها على الرواية هو بعض ألفاظ الحوار الموغلة في الشعبية المحلية الدارجة في الريف العماني والتي يستعصى فهمها على القارئ العربي، صحيح أن ذلك من حق الروائي في استخدام اللغة الدارجة في سردية الحوار لكن هذه الرواية قد تحولت الآن إلى أيقونة للإبداع العربي وينبغي شرح تلك الألفاظ والعبارات الشعبية أو تحويلها إلى لغة فصحى.

خاتمة القول.. رواية تغريبة القافر تستحق جائزة البوكر عن جدارة واستحقاق فهي تمثل قمة التآلف بين الواقع والأسطورة، هذا التكامل الفني جاء من خلال بناء روائي محكم تؤدي أدواره التمثيلية شخصيات شعبية مستلهمة من الريف العماني، لقد تمكن زهران القاسمي من نقل صورة الأفلاج التي تمثل صورة الماء في التاريخ العماني إلى حبكة درامية متميزة تستحق منا إطراء تلك التجربة الثرية.

albakry1814@