باسم سلامه القليطي

كبار السن كبار القدر

الثلاثاء - 01 أغسطس 2023

Tue - 01 Aug 2023

في مدخل الحي مجموعة من المقاهي، تستقبل مرتاديها من كل شكل وعمر ولون، أحدها يتميز بأنه ملتقى كبار السن، يجتمعون فيه كل يوم، من بعد صلاة العشاء إلى ما شاء الله، في مشهد يسر الناضرين، تحفهم السكينة، وتغشاهم البركة، ويكسوهم الوقار، أقصى ما يرجون، مسامرة لطيفة، تنفض عنهم عوالق الهم والتعب، ومشاركة الفرح في تهنئة، ومقاسمة الحزن في مواساة، تواصل بشري فطري، يبهج النفس، وينعش الروح، ويجدد النشاط.

لا شيء في الدنيا أحب لناظري

من منظر الخلان والأصحاب

وألذ موسيقى تسر مسامعي

صوت البشير بعودة الأحباب

بعيدا عن الجدل الحاصل هذه الأيام على برامج التواصل، من تعميم أو تخصيص، من تضخيم أو تقزيم، من تبرئة أو تجريم، لفئة من كبار السن تسلك سلوكا لا يليق بها في الأماكن العامة، فهذا كله لا يعنيني إلا من جانب واحد، وهو تذكير نفسي ومن يقرأ حديثي هذا، بما يستحقه هؤلاء العظماء من تقدير واحترام، أوجبه علينا الشرع، وفرضته علينا التقاليد، وأقره العقل والمنطق، يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم،..).

الأصحاب تناقصوا، والأبناء تباعدوا، والزملاء تفرقوا، كثير المشاغل والمعارف والمسؤوليات، أصبح وحيدا منهكا محدود الرغبات والعلاقات، يطربه التواصل، ويسعده الاجتماع، يعيد صياغة حياته بما يتناسب مع أوضاعه الجديدة، تحاصره جيوش الوحدة والاستغناء، تغامره مشاعر الغربة والغرابة، غربة روحية كما وصفها الشاعر (برنارد شو): «هي أن يكون لديك خبر مبهج، ولا تجد من تنقله إليه».

أكمل جميع واجباته العملية، وأنجز أغلب فروضه الأسرية، ولازال يمارس مهامه الاجتماعية، تكبله أغلال الأمراض المزمنة، وتخنقه حبال الذكريات المحزنة، من خسارة الأموال، أو تبدل الأحوال، أو فقد الأحباب، أو هموم الديون، وتعاقب الالتزامات، وهو مع ذلك كله، يقف شامخا، لم يرفع راية الاستسلام، يقاوم بصبر وتفاني واحتساب، ليؤدي الأمانة على أكمل وجه، ويوصل الرسالة بأجمل صورة.

شيئان لو بكت الدماء عليهما

عيناي حتى تأذنا بذهاب

لم تبلغ المعشار من حقيهما

فقد الشباب وفرقة الأحباب

في الختام، يكون الإنسان وليدا ضعيفا، ثم يصبح شابا قويا، ثم يعود شيخا ضعيفا، ولكل حال تعامل أمثل، ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في تعامله مع كبار السن، فكان يحث أمته على توقيرهم واحترامهم، وكان يحسن استقبالهم، ويبادر بالذهاب إليهم، ويمازحهم، ويقدمهم في أمور كثيرة، فيقدمهم في الكلام، ويقدمهم في السقاية، ويقدمهم في الإمامة، ويقدمهم في السلام عليهم، وكان صلى الله عليه وسلم يخفف عنهم في كثير من الأحكام الشرعية.

عن يحيى بن سعيد رحمه الله قال: بلغنا أنه من أهان ذا شيبة: لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبه إذا شاب.