خالد العويجان

سنة.. شيعة «وطن كبير»

الاثنين - 31 يوليو 2023

Mon - 31 Jul 2023

قلبت ورقة «يوم عاشوراء» في روزنامة التقويم الهجري.

أصبح اليوم في قواميس الماضي.

مارس الجميع طقوسهم، السنة من القوم صاموه إيمانا واحتسابا، ولهم الأجر، والشيعة استذكروا الحسين بن علي بن أبي طالب؛ كرّم الله وجهه.

مر اليوم بسلام وهدوء وسكينة، ساد التآخي والتراحم، وربما تبادل العزاء.

في المملكة العربية السعودية، فئة من الشيعة، يحسبهم الجميع أهلا لبعض، لا فرق بين هذا وذاك، مظلة الوطن تجمع الكل، والوطن شيء كبير، أكبر من أي اختلافات حول تفاصيل دقيقة.

في أجزاء من هذا الوطن المترامي، هناك أبناء للطائفة الشيعية، في القطيف، وقراها، في الأحساء وقراها، وفي المنطقة الشرقية بالعموم، متداخلين مع أهلهم من الطائفة السنية.

انقضى يوم عزاء الشيعة والكل ذهب إلى حيث جاء، لا هذا استنكر على ذاك طقوسه، ولا ذاك نبذ على هذا إتباعه طريقا مغايرا لطريقه.

صحيح أن بعضا من الأحداث التي عاشتها المنطقة بالعموم، أسهمت بشكل أو بآخر برسم صورة ضبابية حول تلاقي أبناء الطائفتين، والإعلام المغرض لعب دورا كبيرا في صب الزيت على النار؛ وسعى لخلق صورة من الفرقة، وصحيح أن هناك دولا حاولت العزف على وتر ورقة «أقلية الشيعة» في المملكة، لكن محاولاتها باءت بالفشل، والفشل ذاك كان فطريا دون تخطيط؛ لأن المجتمع بأصله وتكوينه، لم يشعر يوما بالفرقة؛ لأن الدولة عملت على صيانة الوطنية دون النظر إلى مذهب أو طائفة.

هذا واقع الحال في السعودية، فهو مختلف جذريا، على سبيل المثال عن بعض الدول المجاورة التي تعيش تناحرا واقتتالا باسم المذهب والطائفة أو العرقية والاثنية.

ففي السعودية، الموظف في وزارة معينة زميله من الطائفة الأخرى، والعكس صحيح، والجميع متساو في الحقوق والواجبات، باسم المواطنة الجميع تحت سقف واحد.

وصحيح أيضا في وقت مضى كانت مثل هذه السطور لا يمكن أن ترى النور؛ فالحديث عن هذا الملف يعتبر خطا أحمر، ربما يجرم صاحبه، لكن الحال اختلف، فعراب المواطنة الحقة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجه رسالة واضحة خلال لقاء أجرته معه مجلة أتلانتيك، في مارس 2022، فهمها الجميع، من كافة أبناء الشعب.

قال حينها «الشيعة يعيشون حياة طبيعية في السعودية، ولا مشاكل معهم».

ربما كانت الرسالة تستهدف نوعين من المتلقي، داخلي وخارجي.

الخارجي كما يبدو كان ذا أهمية وليس الأهم، في مغازي تلك الرسالة، المهم أن الجميع فهمها.

وانكفت كثير من الألسن عن محاولات دق الإسفين بين أبناء الطائفتين.

ولم يتوقف ولي العهد عند هذا الحد، بل وضع عديدا من أبناء الطائفة الشيعية على رأس كبريات المشاريع والشركات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن نظمي النصر الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم، هو من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، إذن الفروق لا مساحة لها في هذا الكيان الكبير.

إن حالة التعايش التي تسير في إطارها الدولة والمجتمع، تمتلك كثيرا من ركائز الأخلاقيات التي حددت ديناميكية حياتيه واضحة المعالم، يسير وفقها جميع أبناء الوطن، دون تفرقة أو تمييز، والدليل، فلطالما كان رموز الطائفة الشيعية، من رجال دين ومثقفين وكتاب، وأعضاء في مجلس الشورى، ضيوفا على مجالس الملوك؛ وأمراء المناطق، ولهم وضعهم الاعتباري دون النظر لهم حسب ما يحاول البعض تصويره، على أنهم أقلية فبالتالي بالضرورة أن تكون مسلوبة الحقوق.

ما يمكن استنتاجه، أن التسامي، والتآخي، والتعاضد، بين أبناء الطوائف في السعودية لا يمكن أن يكون عرضة للاهتزاز أو الخلل، مهما كانت الظروف، وكثير من التجارب السابقة أثبتت ذلك.

فلا فرق بين مواطن وآخر لمذهبة أو طائفته. على الأقل هذا ما فهمناه من رسالة «عرّابنا ومُلهمنا».

لذا يمكن القول، إن أبناء المملكة؛ سنة وشيعة؛ يختلفون في المذهب والطائفة، إنما يجمعهم «وطن كبير» وهو كذلك، كبير باسمه وصفته وكيانه وتاريخه العريق وتضحيات رجاله؛ وأبنائه.

رفعت الأقلام؛ وجفت الصحف.