أمل عبدالله

حصيلة أفكار الليلة

الاثنين - 31 يوليو 2023

Mon - 31 Jul 2023

في أغلب الحالات المتعارف عليها من الأمهات اللاتي حظين بطفولة صعبة نوعا ما؛ نتيجة جهل بعض الأُسر بالطريقة السليمة للتربية، نلاحظ أنهن يحاولن بذل كل طاقتهن بهدف جعل حياة أبنائهن خالية من التجارب القاسية التي تحمل عواقب وخيمة في حال حدوثها، واستشهدت بهذا المثل لأُسهّل إيصال الفكرة التي لطالما راودتني منذ مدة ليست بالقصيرة.

هل من المنطقي أن يتعامل الإنسان مع غيره بذات الطريقة السيئة التي يعامل بها؟ عندما يكون الشخص متضررا من سوء طريقة التعامل المتبعة معه ولكنه يتلذذ في رؤية غيره يمرون بنفس المعضلة!! هذا التصرف قد يتسنى لنا إدراجه تحت صفة الأنانية.

فعندما يشعر الشخص بالإجحاف والظلم ولا يستطيع إنقاذ نفسه من دوامته المتسمة بانعدامية الاتزان وضعف الاستحقاق الذاتي وانعدامية الثقة بالنفس، وتسحبه هذه الدوامة بقوة ولا يستطيع مقاومتها فلا يجد أمامه حلا غير الاستسلام، ولأنه استسلم فهل يعني هذا أنه سيبقى وحيدا فيها؟ بالطبع لا، فيقوم بسحب جميع من يعتقد أن حالتهم تشبه حالته، فيمارس عليهم ذات السلوك، ويسعى جاهدا لزعزعة ثقتهم بأنفسهم واستدراجهم لذات المكان الذي يقبع فيه بلا حيلة أو وسيلة للهروب، فاحذر من هذه العينات.

من هنا، أحب أن أنوه في كل مقال أكتبه وبكل قناعة على فكرة أنني قد لا أكون مخولة لطرح القواعد والنصائح، ولكني وببساطة لدي بعض الأفكار التي أطبقها شخصيا في حياتي وأريد مشاركتها بدافع تبادل الخبرات.. ولعلها قد تنال إعجابك عزيزي القارئ فتستفيد منها كما استفدت أنا سلفا:

1- خلط المفاهيم.. لا تخلط بين الصراحة والوقاحة، وحسن النية والهمجية، لا تبدي رأيك فيما لم تُسأل عنه، فتقول وتجرح وتحطم أشخاصا قد تعتقد أنك عندما أبديت رأيك فيهم سيتقبلون ما قلته وكأنهم مرغمون على الاقتناع بشخصيتك وتقبل أسلوبك السيئ الذي تعتقد أنت أنه حسن نية منك وطبع صريح!.

وبينما أنت غارق في طيب نواياك وصراحتك.. يغرق أحدهم في بحر من الكدر ودوامة من الشكوك، خلفتها كلماتك الصريحة القبيحة، فتعلم أن تهذب لسانك بالصمت، وتذكر "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب." وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْلِيَصْمُتْ).

2- الحياة ليست إلا حلقة مغلقة، فما تصنعه اليوم وترميه خلفك لا بد أنه سيحيد عن مدى بصرك وشيئا فشيئا تنساه وكأنه لم يكن، ولكن تأكد أنك ستلاقيه في طريق عودتك لنفس المكان، حتى ولو بعد حين، فركز فيما وضعته على الطريق، إن كان خيرا قليلا فسينبت وعندما تعود إليه يكون قد أزهر فتنعم بثماره، وإن كانت حفرة صغيرة تعثر بها أي إنسان أو شوكة غرزت فآلمت وسمع ربنا جل جلاله تنهدات من تعثر بها لن تبقى الحفرة والشوكة على حالها عند عودتك الحتمية إليها، فأما الحفرة فستصبح فجوة لا يرى قاعها، وأما الشوكة فستنمو وتصبح أكثر حدة فلا تخدش فقط.. بل تدمي وتؤلم.

3- مهما كثرت مشاغلك وتشعبت أيامك وأصبحت تائها بين يوم يجري وليلة تمر بسرعة البرق وتطويك معها، فلا تجد ذاتك إلا وأنت تخوض يوما آخر تحاول مجابهته، تذكر أنه في أحد زوايا تشعبات حياتك توجد رائحة الجنة التي تدفئ لياليك الباردة ويوجد العمود الثابت الذي لن يميل طالما هو يسند ظهرك.

توجد أمك ويوجد أبوك، والمنزل الآمن والعائلة التي لن يأتي يوم تطرق فيه بابها وترد دون إجابة، تذكر أنه مهما سرقت منك ساعاتك فلا بد لك من عودة إليهم، فإنهم الخير كله.. ومنطقة الراحة التي لا غنى لنا عنها، وحتى وإن فقدت أحد والديك أو كلاهما فتأكد أنهما وبعد رحيلهما لن يغلقا أبواب هذا المنزل أبدا، فستظل رائحة الجنة تعطر زوايا المكان وعمودك الثابت سيسندكما كان.

هذا المنزل لن يمل انتظارك، وسيستقبلك دوما بذات الحنين وبدفء المرة الأولى. "اللهم احفظ والدينا وأهلنا وارحم من توفيتهم إليك فإنك غفور رحيم".

ختاما.. ليس هنالك ما هو أشد سوءا ممن يعتقد أنه مسؤول عن تبرير الإساءة والعقوق والظلم، فيطلق عليهم مسميات منمقة ويغلفهم بغلاف لا يناسبهم.. ليتنا نوفر جهودنا في تغيير المفاهيم الواضحة، وليتنا نكف عن تبرير الإساءة وتلميعها بهدف تشتيت معناها الحقيقي، ونعاملها على أنها نيزك لامع ببريق كاذب نراه نحن على بعد هائل فيذهلنا.

ولأننا واثقون بأنه بعيد عنا ولن يصلنا منه شيء، فنهمل حقيقة وصوله الحتمي إلى مكان ما، وننسى أنه سيضرب قلب أحدهم بقوة ويتسبب في حروق يبقى أثرها للأبد. تلطّفوا في قولكم.