استنكر يستنكر استنكارا
الثلاثاء - 25 يوليو 2023
Tue - 25 Jul 2023
لا أدري إن كان هناك ارتباط بين عدم الرضا عن الحياة وبين حب الشكوى والاستنكار؟
ولماذا يكثر الشجب والاستنكار والتشكي عند البعض لكثير من الأشياء التي تحدث لهم.. فلا يعدمون ظرفا إلا وقاموا بالاعتراض والتندر والشكوى.
هل هو الهوس بمحاولة تحقيق الأفضل أو أنها فرصة لإثبات الذات عبر السجال والاعتراض. جميعنا يمر بتلك اللحظة التي تهز بها رأسك رفضا لتقول: من أنتم... ولماذا يحدث هذا لي؟ وإلى متى؟
هناك من يستنكر اقتصاديا أو سياسيا، أخلاقيا أو سلوكيا، وهناك من يشتكي لمجرد غيرته.. وهناك من يميل بطبيعته إلى التشكي الدائم من أي شيء وعلى كل شيء رغم أنه يحمد الله.
ما يتحكم في ذلك هو المرحلة العمرية التي نمر بها، والعوامل الشخصية لدى كل فرد. فهناك من يسيطر على نفسه عند التعرض لموقف ما، وهناك من يفتقر إلى القدرة على التعاطف والرغبة في تقديم الذات بشكل إيجابي.
تعتمد قوة الشكوى على الطريقة التي نفكر بها والصورة المثالية التي نرغب في أن نرى الأشياء عليها.
هل نحن ممن يرتدي تلك النظارات العاطفية على أعيننا فنرى العالم بصورة قاتمة؟ أم نحن ممن يشتكي لمجرد «الفضفضة».
لا شك أن كثرة الشكوى وتكرارها تجعل أصحابها يركزون على السيئ والخرب، يرون العيوب أكثر من المزايا، فتتضاعف في أعينهم نقاط العيب ومساحات السواد أكثر من الجيد والمتميز والمفرح. كثرة الشكوى هي عين السلبية، ذاك الاستياء النزق الذي يثبط الطاقة، ويطمس الحماس، فتبقى المذمة هي الغالبة أكثر من الإشادة.
تفرقع في ذاكرتي الآن شخصية تصيبني بالابتئاس كلما التقيتها.. لذا أتجنبها كثيرا، ليس لعيب في خلقها أو سلوكها، معاذ الله، إنما لأني ما قابلتها إلا وناحت بقربها حمامة.. التشكي بالنسبة لها أفضل من إيجاد حل... حتى الابتسامة بها وجع، النظرة بها سخط عارم على واقع الحياة غير العادلة.
حكاياتها مليئة بالسلبية وتفكر دوما بمنطق الضحية التي فعلت بها الدنيا وفعل بها الناس، وفعل بها المدير في العمل، وليس لها هي من أمرها شيء. الوقت معها يستنزف كل إيجابي متبق في الروح.. فتفشل محاولات الاستعطاف والتعاطف والعطف إلى غير رجعة.
هؤلاء يشتكون لدرجة أن الشكوى أصبحت مألوفة وغير محسوسة بالنسبة لهم، ولدي إيمان راسخ بأن استراتيجية التفكير هذه هي ما يصنع الواقع المطابق لأفكارهم.
يطرح الفرنسي لوران دو سوتر في كتاب عنوانه «استنكار تام» وصفا لمرحلة الحياة التي نعيشها في هذا العصر، ويطلق عليها عصر «الفضيحة العامة»، من الصباح إلى المساء، من المكتب إلى المطعم، في البيت وغرف النوم، ومن العطلات إلى مآدب العشاء، حيث يقدم لنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في الأغلب، النوادر والشواذ من الأفعال السلبية التي تثير اهتمام المتابعين وتحقق ملئا لفراغ لم ولن تملأه أخبار الإنجاز والنجاح والفرح.. محتوى فاضح أو صادم أو محزن.. يوحي بأن كل «مجالات الحياة أصابها الخلل والانخرام والحماقة» وما إلى ذلك.
وبالتالي ما تقوم به هذه الفئة بالأغلب هو رد فعل يشير بإصبع الاتهام لكل ما يحدث حولهم دون تركيز على الجميل والممتع.. ودون تقبل للواقع بامتنان.
كثير الشكوى يبث السلبية مما يدفع الآخرين للنفور، وكثير الشكوى يمله الناس.. فإن كنت أنت من أصحاب الشكاية فاستبدل أفكارك السلبية بالبدائل الممكنة، وفكر في خطة بديلة، كن ممتنا لما أنت عليه وحاول التغيير.
لكنك إن كنت ممن يولون للعلاقات الأولوية القصوى.. خاصة مع الأصدقاء، فهناك طرق للتعامل مع المشتكي المزمن الذي يستنزف عواطفك. لدينا مثلا من يشكو بانتظام إلى الشخص الموثوق به لأنه محل ثقة، لذلك علينا السماح له بهذه الثقة ولكن دون المبالغة حتى لا يؤثر على الحالة الذاتية النفسية.
وهناك الشخص ذو الشكوى السلبية لمجرد التنفيس دون التطلع لإيجاد حلول، وهذا عليك أن تخبره بأن الاستماع الدائم إلى الشكوى سيجعلك أكثر سلبية لعدم قدرتك على التفاعل مع الوضع أو المساهمة في الحل، فتنتقل لك مشاعر البلادة والإحباط.
أما فيما يخص التعامل مع كثيري الشكوى من المسنين الذين يمطرونك بوابل من المشكلات عن حالتهم الصحية والنفسية، فتصبح أمام أوركسترا متناغمة من التوجع واليأس والعجز، ولا تملك للخلوص من ذلك سبيلا. فيتوجب حينها تخصيص وقت معين للاستماع وتفهم المشاكل والإحساس بالمتاعب، خاصة لو كانوا من الأصدقاء والأقارب، فهو حق وواجب.
دورك الذكي هنا أن تطرح موضوعات جديدة تثير الاهتمام وتحرك الأشجان، لتجعلهم يفكرون ويتحدثون متناسين متاعبهم وشكواهم. أنت في النهاية إنسان تريد إسعاد الآخرين دون أن تصبح مطية لهم.
من حقك الاستنكار أو الشكوى.. لكن السؤال المهم هو لمن تشتكي ومع من تحكي؟ هل دائرة المشتكين كبيرة من حولك؟ هل تفضفض لمجرد كسب التعاطف.. أم أن لديك حلولا.. هل أنت جزء من الحل برأي أو اقتراح.. أم أن المشتكى إليه سيخلصك من معاناتك فعليا؟ كن صادقا واسأل نفسك هل أنت مصدر بهجة لمن حولك؟
هل يقدر الآخرون أراءك التي تنطقها بحكمة وفي محلها.. فإن اشتكيت كان لشكواك معنى وغاية.
استنكر واشتك بذكاء.. فأنت في النهاية «واحد نفر»... وإن لم تتكلم فسوف تندثر.
smileofswords@
ولماذا يكثر الشجب والاستنكار والتشكي عند البعض لكثير من الأشياء التي تحدث لهم.. فلا يعدمون ظرفا إلا وقاموا بالاعتراض والتندر والشكوى.
هل هو الهوس بمحاولة تحقيق الأفضل أو أنها فرصة لإثبات الذات عبر السجال والاعتراض. جميعنا يمر بتلك اللحظة التي تهز بها رأسك رفضا لتقول: من أنتم... ولماذا يحدث هذا لي؟ وإلى متى؟
هناك من يستنكر اقتصاديا أو سياسيا، أخلاقيا أو سلوكيا، وهناك من يشتكي لمجرد غيرته.. وهناك من يميل بطبيعته إلى التشكي الدائم من أي شيء وعلى كل شيء رغم أنه يحمد الله.
ما يتحكم في ذلك هو المرحلة العمرية التي نمر بها، والعوامل الشخصية لدى كل فرد. فهناك من يسيطر على نفسه عند التعرض لموقف ما، وهناك من يفتقر إلى القدرة على التعاطف والرغبة في تقديم الذات بشكل إيجابي.
تعتمد قوة الشكوى على الطريقة التي نفكر بها والصورة المثالية التي نرغب في أن نرى الأشياء عليها.
هل نحن ممن يرتدي تلك النظارات العاطفية على أعيننا فنرى العالم بصورة قاتمة؟ أم نحن ممن يشتكي لمجرد «الفضفضة».
لا شك أن كثرة الشكوى وتكرارها تجعل أصحابها يركزون على السيئ والخرب، يرون العيوب أكثر من المزايا، فتتضاعف في أعينهم نقاط العيب ومساحات السواد أكثر من الجيد والمتميز والمفرح. كثرة الشكوى هي عين السلبية، ذاك الاستياء النزق الذي يثبط الطاقة، ويطمس الحماس، فتبقى المذمة هي الغالبة أكثر من الإشادة.
تفرقع في ذاكرتي الآن شخصية تصيبني بالابتئاس كلما التقيتها.. لذا أتجنبها كثيرا، ليس لعيب في خلقها أو سلوكها، معاذ الله، إنما لأني ما قابلتها إلا وناحت بقربها حمامة.. التشكي بالنسبة لها أفضل من إيجاد حل... حتى الابتسامة بها وجع، النظرة بها سخط عارم على واقع الحياة غير العادلة.
حكاياتها مليئة بالسلبية وتفكر دوما بمنطق الضحية التي فعلت بها الدنيا وفعل بها الناس، وفعل بها المدير في العمل، وليس لها هي من أمرها شيء. الوقت معها يستنزف كل إيجابي متبق في الروح.. فتفشل محاولات الاستعطاف والتعاطف والعطف إلى غير رجعة.
هؤلاء يشتكون لدرجة أن الشكوى أصبحت مألوفة وغير محسوسة بالنسبة لهم، ولدي إيمان راسخ بأن استراتيجية التفكير هذه هي ما يصنع الواقع المطابق لأفكارهم.
يطرح الفرنسي لوران دو سوتر في كتاب عنوانه «استنكار تام» وصفا لمرحلة الحياة التي نعيشها في هذا العصر، ويطلق عليها عصر «الفضيحة العامة»، من الصباح إلى المساء، من المكتب إلى المطعم، في البيت وغرف النوم، ومن العطلات إلى مآدب العشاء، حيث يقدم لنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في الأغلب، النوادر والشواذ من الأفعال السلبية التي تثير اهتمام المتابعين وتحقق ملئا لفراغ لم ولن تملأه أخبار الإنجاز والنجاح والفرح.. محتوى فاضح أو صادم أو محزن.. يوحي بأن كل «مجالات الحياة أصابها الخلل والانخرام والحماقة» وما إلى ذلك.
وبالتالي ما تقوم به هذه الفئة بالأغلب هو رد فعل يشير بإصبع الاتهام لكل ما يحدث حولهم دون تركيز على الجميل والممتع.. ودون تقبل للواقع بامتنان.
كثير الشكوى يبث السلبية مما يدفع الآخرين للنفور، وكثير الشكوى يمله الناس.. فإن كنت أنت من أصحاب الشكاية فاستبدل أفكارك السلبية بالبدائل الممكنة، وفكر في خطة بديلة، كن ممتنا لما أنت عليه وحاول التغيير.
لكنك إن كنت ممن يولون للعلاقات الأولوية القصوى.. خاصة مع الأصدقاء، فهناك طرق للتعامل مع المشتكي المزمن الذي يستنزف عواطفك. لدينا مثلا من يشكو بانتظام إلى الشخص الموثوق به لأنه محل ثقة، لذلك علينا السماح له بهذه الثقة ولكن دون المبالغة حتى لا يؤثر على الحالة الذاتية النفسية.
وهناك الشخص ذو الشكوى السلبية لمجرد التنفيس دون التطلع لإيجاد حلول، وهذا عليك أن تخبره بأن الاستماع الدائم إلى الشكوى سيجعلك أكثر سلبية لعدم قدرتك على التفاعل مع الوضع أو المساهمة في الحل، فتنتقل لك مشاعر البلادة والإحباط.
أما فيما يخص التعامل مع كثيري الشكوى من المسنين الذين يمطرونك بوابل من المشكلات عن حالتهم الصحية والنفسية، فتصبح أمام أوركسترا متناغمة من التوجع واليأس والعجز، ولا تملك للخلوص من ذلك سبيلا. فيتوجب حينها تخصيص وقت معين للاستماع وتفهم المشاكل والإحساس بالمتاعب، خاصة لو كانوا من الأصدقاء والأقارب، فهو حق وواجب.
دورك الذكي هنا أن تطرح موضوعات جديدة تثير الاهتمام وتحرك الأشجان، لتجعلهم يفكرون ويتحدثون متناسين متاعبهم وشكواهم. أنت في النهاية إنسان تريد إسعاد الآخرين دون أن تصبح مطية لهم.
من حقك الاستنكار أو الشكوى.. لكن السؤال المهم هو لمن تشتكي ومع من تحكي؟ هل دائرة المشتكين كبيرة من حولك؟ هل تفضفض لمجرد كسب التعاطف.. أم أن لديك حلولا.. هل أنت جزء من الحل برأي أو اقتراح.. أم أن المشتكى إليه سيخلصك من معاناتك فعليا؟ كن صادقا واسأل نفسك هل أنت مصدر بهجة لمن حولك؟
هل يقدر الآخرون أراءك التي تنطقها بحكمة وفي محلها.. فإن اشتكيت كان لشكواك معنى وغاية.
استنكر واشتك بذكاء.. فأنت في النهاية «واحد نفر»... وإن لم تتكلم فسوف تندثر.
smileofswords@