عادل الحميدان

بين التواصل والمسؤولية

الثلاثاء - 25 يوليو 2023

Tue - 25 Jul 2023

يبدو أنه لم يعد أمام المجتمع سوى التسليم، ثم التعامل مع الواقع المتمثل في انفلات العقال في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة مع ضعف الرادع الأخلاقي، وانعدام الشعور بالمسؤولية لدى فئة ليست بالقليلة من صناع المحتوى في هذه الوسائل.

حقيقة، لم يعد هناك أي جدوى من متابعة السقوط المتكرر لقطاع كبير من هذه الفئة، في إظهار الالتزام بآداب المجتمع والمحافظة على الحد الأدنى من الظهور المتزن، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. حتى باتت معرفة القاع الذي سيتوقفون عنده أمرا أشبه بالمستحيل.

حتى فترة قريبة، كان الحديث عن رؤية شخص يعاني اضطرابا نفسيا أو مرضا عقليا في الشارع، يمثل حدثا لا ينسى، نظرا لأن أهله أو من يتولى رعايته لا يسمح له مطلقا بالخروج، وذلك خوفا عليه من إيذاء نفسه أو غيره.

أما الآن فقد تبدل الحال، وأصبح وجود شخص يتمتع بكامل قواه العقلية، ولا يعاني من أي علة نفسية بين صناع المحتوى في وسائل التواصل هو الاستثناء، حتى أصبحنا نقسم صناع المحتوى إلى صنفين لا ثالث لهما: الأول عاقل، والآخر بلهجتنا المحلية (لك عليه)!

قد لا يرتكب هؤلاء جريمة بالمفهوم القانوني، وبالتالي فهم أبرياء بناء على القاعدة القانونية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، ففتح البث في تطبيق (تيك توك) على سبيل المثال من شخص يعرض موهبته في تلطيخ وجهه بالدقيق أو الاستحمام بملابسه، ليس فعلا مجرما.

ما يلفت الانتباه ويستدعي التأمل هو أن هؤلاء في تزايد، وإن كان بطيئا، وهو ما يرسم أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي دفعتهم للخروج عن المألوف، فهل هي الرغبة في تحقيق مكاسب مالية سريعة؟ أم التحليق في سماء الشهرة؟ أم أن الباعث يكمن في إثبات أن الأسرة ومن خلفها المجتمع باتا غير موجودين في قاموس إنسان الزمن الحاضر؟!

لم تتغير مفاهيم الحرية الشخصية منذ أن أدرك الإنسان طبيعة علاقته بمجتمعه، وقد كرستها الأديان ومنها الدين الإسلامي الذي أضفى عليها حماية سبق بها مختلف النظم القانونية الوضعية. إذن فلا تعارض بين الحرية الشخصية والدين، والأمر كذلك بالنسبة للأخلاق.

ما يصعب على القوم فهمه هو أن الحرية الشخصية لا تعني مطلقا التوقف عن حد عدم مخالفة الأنظمة، بل يجب أن يرافقها التزام بقواعد اجتماعية، بعضها لا يقع تحت مظلة العرف أو العادة، بل هي بديهيات تدور مع أي تجمع إنساني وجودا وعدما.

ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي من خروج عن المألوف يجب أن يدرس بعناية من مختصين في علوم النفس والاجتماع والتربية. فالدائرة تتسع.. والقادم في هذا الموضوع حتما لن يكون أجمل!

UNITEDADEL@