فهد محمد الأحمري

حكاية «الدياثة»

الثلاثاء - 25 يوليو 2023

Tue - 25 Jul 2023

لم تكن النقلات الحضارية تمر على بلادنا بسلاسة وسهولة، بل كانت تمر عبر حرب شعواء يقودها الممانعون لكل مظاهر التطور والتنمية. فمنذ مشروع تعليم المرأة سنة 1959 إلى مشروع الابتعاث سنة 2005، 45 عاما والممانعون يمارسون جهادهم وجهودهم ضد قضايا التعليم النسائي تحت مبدأ الرجولة للمتفق معهم وتهمة الدياثة للمخالف لهم.

وفي جانب الشاشة التلفزيونية، بدأت الحكاية في الستينات مع أول بث أرضي للتلفزيون السعودي الوطني وسط استياء ومقاومة المتشددين، وسجلت آنذاك محاولات فردية لإغلاقه بالقوة، غيرة على الدين والعرض من الدياثة، وفق زعمهم.

في الثمانينات الميلادية ينطلق البث الفضائي عبر عربسات غير أن التيار نفسه يقف معترضا عبر المنابر والميادين والمنشورات، بل تجاوز الحد في المعارضة اللفظية والمكتوبة إلى محاولات تكسير الأطباق الفضائية مباشرة، أو «قنصا» بالساكتين أو «النباطة»، الأمر الذي جعل الكثير يلجأ لتركيب تلك الصحون في أماكن مخفية خوفا من «القناصة» واتقاء من تهمة «الدياثة».

شيئا فشيئا، هدأت الأمور بل وتحول الكثير من المعارضين إلى الدخول في سباق ماراثوني للقنوات الفضائية للتكسب المادي أو للظهور الإعلامي، بل وأصبح البعض منهم ملاكا لكثير من القنوات.

الشبكة العنكبوتية كذلك، بداية دخولها واجهت الممانعة نفسها من بعض قطاع طريق الحضارة والتنمية بتهمة الفساد والدياثة. يقول الشيخ بدر العامر على حسابه التويتري «كنت في مجلس سنة 1996، وكان في المجلس طلبة علم ومشايخ يعارضون الإنترنت ويحرمونه، واليوم هم يداومون فيه في الصباح والمساء».

ويستمر الثوار المأزومون أمام الثورة المعلوماتية، ففي سنة 1996 يتم إطلاق خدمة الهاتف الجوال في السعودية. لم يكن اعتراضهم على الجوال بحد ذاته بل على تمكين النساء من استخدام الهاتف الجوال لكونه وسيلة لإغواء هذا الكائن الضعيف «ناقص العقل والدين» وتوجيه تهمة «الدياثة» للرجل الذي يسمح لمحارمه باستخدام الجوال!

بدأت الحملة تشتد ضد الضيف الجديد - الجوال - بسبب ظهور إصدارات حديثة من «الباندا» مزودة بكاميرا، مما ألهب الثائرين المتباكين على فساد الأمة، الأمر الذي ضغط على المؤسسة الدينية لتصدر فتوى بتحريم الجوال المحتوي على كاميرا، وعلى إثر ذلك تم منعه رسميا ومصادرته من الأسواق وتعقب من يحمله بالمصادرة والتعميم على المنافذ بعدم دخوله إلى البلد، كان هذا أواخر سبتمبر 2004.

2005 يبزغ فجر جديد لأعظم مشاريع التنمية البشرية في تاريخ الوطن وهو برنامج الابتعاث الذي واجه حمى مسعورة من الاعتراض والتشكيك وإلصاق التهم بالبرنامج والمبتعث في سبيل قطع الطريق أمامه، وتتصدر تهمة الدياثة لمن يبتعث محارمه حتى لو كانت المبتعثة برفقة محرم.

وتتواصل أعمال «قطاع الطرق» أمام نهضة الوطن، ويشتد النشاط حين يكون الأمر يخص المرأة ومنحها حقها في المساهمة الوطنية. يأتي 2013 ليسجل أقوى انتصار للمرأة وعقلها وسماع رأيها بدخول 30 عضوة لمجلس الشورى ما بين عالمة وأكاديمية وخبيرة في مجالات متعددة.

2015 منحت المواطنة السعودية حقا آخر بدخولها الانتخابات البلدية. كلا الحدثين لاقيا تصديا هائلا من قبل المأزومين تجاه أي دور فاعل إيجابي تقدمه بنت الوطن لوطنها. وعلى إثره أصدروا بيانا يوصي بعدم التصويت للمرأة، نقلت ذلك صحيفة عكاظ بتاريخ 12 ديسمبر 2015 أن البيان الذي حمل أسماء عدد من المشايخ وطلاب العلم شدد على ضرورة اختيار المرشح الأنسب من بين المرشحين الذكور؛ لأن التصويت لمن لا يستحق يعتبر شهادة زور!

تتوالى التحولات السعودية نحو تمكين الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية من قيادة المرأة للسيارة ودخولها الملاعب والسماح بالترفيه البريء بكل أشكاله الذي لا يتعارض مع الأحكام الشرعية قطعية الثبوت، إلا أن حكاية الدياثة لا تتوقف.

اللافت للنظر أن التيارات المعادية للنهضة واجهت كثيرا من تلك التحولات الحضارية التي شهدها الوطن، ثم انقلبت فيما بعد إلى مواكبة ثم منافسة، وتحولت بقدرة قادر من معارضة إلى مسارعة نحو ما كان في نظرها دياثة وفسوقا وحراما عندها فيه من الله برهان!

تخيلوا أن الوطن انتظر حتى تنضج أفكار هؤلاء ويغيروا آراءهم وفتواهم المخالفة لمظاهر الحضارة والتنمية منذ 1959 آنف الذكر، والذي سجل اعتراضهم على تعليم الفتاة!

FahadAlAhmary1@