محمد عبدالكريم المطيري

دكتور الدال

الاثنين - 24 يوليو 2023

Mon - 24 Jul 2023

أطل عليهم من برجه العاجي ورمقهم بنظرة كلها شفقة وسخرية، وقف في منتصف القاعة كملك مستبد ينظر بكل فوقية إلى مواطنيه المستضعفين بلا حول لهم ولا قوة، يعيش هؤلاء المواطنون في وجل وقلق وخوف من ملكهم غير المتوج وغير المنتخب، يعلمون أن أي خطأ يعني الهلاك فهو القاضي وهو الجلاد بلا محاكم ولا هيئة محلفين، يتحدث معهم بكل ازدراء كما يفعل بالعادة، كأنه قد وصل مرغما لهذه المملكة، يعاملهم بسوء الظن ولا يجعل مجالا للنقاش ولا التعديل، فهو لا يريهم إلا ما يرى، وما يراه بالضرورة صحيح كحكم نزل من السماء.

فلنأخذ نظرة بسيطة عن ماضي هذا الملك قبل أن يتوج ويسيد على هؤلاء المواطنين، كان في أحد الأيام مواطنا مثلهم، وكان ينظر لهؤلاء الملوك في قاعاتهم الدراسية بكل إعجاب، يراهم وهم يأمرون وينهون ويفرضون قوانينهم الخاصة وبكل اعتباطية في كثير من الأحيان، ومع ذلك لا أحد يهتم، فهذا الدكتور حر في مملكته وما يحدث في القاعة بينه وبين طلابه محكوم بالسرية والحصانة، وحتى وإن كانت هناك مخالفات سيكون من الصعوبة إثباتها إن لم يكن مستحيلا من الأساس، الغريب في الأمر أنه قد ظلم منهم من قبل، ولكن إعجابه بهم لم يقل ولو شعرة، كأنه قد أصيب بمتلازمة ستوكولهوم فهو ضحية وقع في حب سجانه، فمن تلك اللحظة ولا غاية له إلا حرف الدال قبل اسمه، فلم يترك طريقا ملتويا إلا سلكه، كافح وجاهد وعانى من أجل غايته، ولأن الدافع لتلك الغاية غير نبيل لم يهتم كثيرا بأي وسيلة تتم الأمر، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، فأخذ الدال غصبا ولم يكتسبها، وجاء من حينها لينتقم، ليذيق هؤلاء المساكين من مر ما ذاقه، لم يهتم بتطويرهم ولا بتقييمهم مبررا كل ذلك بأن على الطالب أن يستقل وأن يعتمد على نفسه، وما هذا إلا فرار من ضحالة ما يمتلك، الطلبة معه تائهون على ضفاف بحر غزير من المعرفة، مطالبين بأن يعبروه دون قوارب ودون تجديف ولا حتى أن يتعلموا كيف الإبحار.

على النقيض منه، وفي عالم مواز مختلف عنه، هناك من حصل على الشهادة عن استحقاق وكفاءة، قرأ مئات الكتب والمقالات العلمية المحكمة، وعرف بأن المعرفة تراكمية، وأن كل عالم يقوم على نقض نتائج من قبله وتطويرها، وأيقن من حينها بأن العلم بحر لا ينفد، فكلما سبر أغواره شعر بضآلة علمه ودفعه للتواضع وآمن بأن «فوق كل ذي علم عليم»، توسعت مداركه وآفاقه وأدرك أن الحقيقة حمالة أوجه وأن كل رأي يحتمل الصواب، وكل رأي له قيمة، عاد وهو موقن بأن الطالب يحتاج في هذه المرحلة لمن يأخذ بيده، يعلم أنه لا بد أن يشجع الطالب على النقاش وأن يفعل كل ذلك بالتدريج ومع توجيه مستمر حتى يتمكن الطالب من تكوين رأيه عن مسألة ما بطريقة منطقية وبكل استقلالية قبل أن يعبر عنه.

يعلم هذا الدكتور بأن سوق العمل الحالي متطلب وتنافسي، يبحث رواد العمل فيه عن طلبة قادرين على تحليل المشكلات ومن ثم حلها بطريقة مبتكرة وفعالة، طلبة يمتلكون رصيدا عاليا من المهارات كالعمل ضمن فريق، مهارات التحليل، والمهارات الفنية الخاصة بكل تخصص، ومن أجل كل ذلك فإن الجهد على عضو هيئة التدريس مضاعف، والتقارب والتدرج والتروي مطلب ضروري في هذه المرحلة من حياة الطلبة.

MohaAlmu@